بدت العلاقة متوترة جدا يوم أمس بين الإعلام وخصوصا مؤسسة التلفزة ووزارة الداخلية بعد دعوة النقابة الوطنية للصحفيين إلى مقاطعة نشاطات الوزارة لمدة أسبوع احتجاجا على ما تعرض له بعض الزملاء من اعتداءات أثناء مظاهرة يوم عيد الشهداء.
وتبدو العلاقة بين وزارة الداخلية والإعلام خصوصا العمومي في أسوإ فتراتها، وتنشط صفحات قريبة من النهضة وثلاثي الحكم في حملات منظمة ضد الإعلام العمومي منذ مدة طويلة، وتمثل القناة الأولى الهدف المفضل لأنصار النهضة الذين ما يزالون يسمونها «البنفسجية» ويحاصرونها منذ عدة أسابيع رافعين عدة مطالب تترواح بين الضغط على صحفييها ومسؤوليها لإيقاف ما يسمونه بمعاداة الإعلام العمومي للحكومة، والدعوة إلى حرمان التلفزة الوطنية من التمويل العمومي وطرد أسماء يقولون إنها ارتبطت بالنظام السابق، كما نعثر على نداءات خطيرة تدعو إلى اقتحام مقر التلفزة وطرد من فيه. ولا تعتبر حالة العداء بين أنصار النهضة والإعلام العمومي جديدة، لكن ناشطي النهضة اعتبروا في الأيام الأخيرة أن صحفيي نشرة الأنباء قد تعمدوا تجاهل تصريحات وزير الداخلية بخصوص وجهة نظره حول أحداث يوم التاسع من أفريل، واعتبرت العشرات من الصفحات ذلك التجاهل عمدا عدائيا لا يجوز من مؤسسة عمومية تجاه النشاط الحكومي. كما أطلقت إحدى الصفحات المحسوبة على النهضة دعوة عامة لمنع فرق العمل التابعة للقناة الوطنية من العمل في كامل جهات البلاد ومقاطعتها ردا على مقاطعة النقابة لنشاط وزارة الداخلية.
واعتبر زملاء كثيرون وناشطون في المجتمع المدني أن الدعوة إلى منع زملائنا في التلفزيون الوطني من العمل خطير ومخالف للقانون ويمكن تصنيفه ضمن تعطيل حرية العمل والدعوة إلى العنف والتحريض عليه. كما زادت حادثة ظهور أحد نواب حركة النهضة في التلفزيون العمومي مؤخرا في حدة الأزمة، حيث تم نشر تصريح للسيد سعيد الخزامي مدير الأخبار يتهم فيه هذا النائب ب «دخول مقر التلفزة بطريقة غير شرعية» واعتبر عدة زملاء من فريق الأنباء أن ذلك التدخل تضمن تهديدا وضغطا واضحين عليهم. ويرد العديد من الزملاء بأن الحكومة تعمل على تدجين الإعلام ولا تحتمل الرأي المخالف، كما نشر زملاء آخرون مقالات تتهم وزارة الداخلية وجهاز الأمن بمعاداة الإعلاميين، واستعرضوا عدة أحداث سابقة تعرض فيها الزملاء للاعتداءات البدنية واللفظية واحتجاز معدات العمل أو إتلافها. ولاحظنا في الصفحات التونسية يوم أمس التزام أغلب الزملاء بحمل الشارة الحمراء احتجاجا على الاعتداء على الصحفيين، لكن زملاء آخرين وناشطين حقوقيين رفضوا ذلك واعتبروا مقاطعة نشاط وزارة الداخلية عملا بلا جدوى سيكون المواطن أول المتضررين منه، في مجتمع يطالب بأن يكون الحق في الإعلام حقا دستوريا واضحا. يكتب أحد أساتذتنا في معهد الصحافة في صفحته: «الإعلام واجب الصحفي أيا كانت ظروف العمل، في مناطق النزاعات وفي الدول الدكتاتورية يتعرض الصحفيون للاضطهاد والقتل، لكنهم لا يتوقفون عن العمل، يجب أن يؤدي الصحفيون دورهم دون التردد في فضح كل ما يمس بهم أثناء أدائهم لمهمتهم». ويكتب زميل شاب تعليقا على ذلك: «إذا كان الصحفيون قد عجزوا عن تبليغ أصواتهم، فماذا يقول بقية الشعب».
والطريف، هو أننا عثرنا على تعاليق نشرها العديد من الزملاء ينتقدون فيها مؤسسة التلفزة التي لا يدافع عنها أحد في الصفحات التونسية، وأحد الزملاء المعروفين بالمزاح صمم فاتورة منسوخة عن فاتورة الستاغ يقول إنها سوف تظهر بعد أن يصدر قانون يحرم التلفزيون من التمويل العمومي ومن اقتطاعات فاتورة الكهرباء وأن هذه الفاتورة سوف ترسلها التلفزة إلى الجميع وتتضمن تكاليف استهلاك الأخبار والمنوعات، ويضيف ساخرا: «ومن لا يدفع، يأتيه أعوان التلفزة ويفتكون منه العدة، أي التلفاز، ومن أنذر فقد أعذر».