أعلنت العديد من الصفحات القريبة من النهضة صبيحة يوم أمس عن فك الاعتصام أمام مقر التلفزة، لكن العلاقة مع الإعلام العمومي ما تزال متوترة وتنبئ بحملات أخرى قادمة ومواجهات يدور أغلبها في إطار الصراع بين النهضة واليسار.
حدث تجمع منتصف نهار أمس أمام المسرح البلدي تحت شعار مناصرة حرية الإعلام وردا على محاصرة أنصار النهضة لمقر التلفزة الذي انتهى بأحداث العنف والفوضى وحالة من الانفلات الأخلاقي والسياسي في مكان الاعتصام.
ومن خلال العديد من الصفحات المقربة من النهضة وحلفائها في الموقع الاجتماعي، اتضح بعد زوال أول أمس أن الاعتصام سيتم فكه بسبب حالة الانفلات ومخاطر العنف والمواجهات المسلحة، في المقابل، نشر ناشطون من اليسار مقالات يعتبرون فيها أن «السيد لطفي زيتون يحاول إعطاء غطاء مشرف لانسحاب الميليشيا المعتصمة أمام التلفزة». ويرد نشطاء النهضة بأنهم لم يتراجعوا عما يسمونه «تطهير الإعلام»، وإنما هم ينسحبون من الاعتصام تفاديا للتصعيد.
وفي صفحات كلا الطرفين المتصارعين، نقرأ تفاصيل جديدة عن الأحداث المؤسفة أول أمس ومن تسبب فيها. وفي هذه التفاصيل، ثمة إجماع على وجود «بلطجية» أو مليشيات لا علاقة لها بحرية الإعلام أو أية حرية أخرى، ولم يكن دور هؤلاء يتجاوز الاعتداء والإرهاب. وبما أن كل طرف يتهم الآخر ويدعم موقفه بشهادات أشخاص محايدين، فإنه لا معنى لنشر هذه الشهادات في الموقع الاجتماعي سوى المزايدة الإعلامية.
وبعيدا عن الأخبار المتضاربة، نقرأ في صفحات العديد من الناشطين والحقوقيين المعروفين بالموضوعية مقالات تستحق الاهتمام حول وضع الإعلام العمومي وهي تجد إقبالا جيدا لدى التونسيين الذين تصدعت رؤوسهم بالخطب السياسية العدائية. وتجمع مثل هذه المقالات على أن الإعلام العمومي يعاني من سمعة سيئة جدا لدى الشعب الذي يدفع كلفته رغما عنه، لكن مثل هذه السمعة ليست مبررا لإعلان الحرب عليه، خصوصا وهو يبذل جهودا واضحة للتطور. كما نقرأ في صفحات العديد من المثقفين والمعنيين بالشأن العام استنكارا قويا لكل حملات التشويه والسباب الموجهة ضد بعض رموز الإعلام العمومي، مع التأكيد على أن أية محاسبة في الإعلام العمومي يجب أن تمر وجوبا بالقضاء والمجتمع المدني وليس التهديد بالعنف أو حملات الشتم أو الاستفزاز الذي كان خبزا يوميا لكل من يعمل في التلفزة الوطنية طيلة قرابة شهرين.
والحقيقة أن التلفزة الوطنية بلا أصدقاء في الصفحات التونسية وليس لها أنصار، بل تبدو من أكثر المؤسسات الوطنية جلبا للنقد وحتى الشتائم. ونشر ناشطون كثيرون يوم أمس مقولة جيدة عن حرية الإعلام جاء فيها: «حرية الصحافة ليست امتيازا للصحفيين، بل حق من حقوق المواطن». ويكتب زميل من التلفزة: «كلنا نعرف أن بقايا الفساد في القناة الوطنية تدافع عن نفسها ومصالحها وترفض المحاسبة أو الانسحاب، ومن حق الشعب أن يغضب لأنه هو الذي يدفع أجورهم، لكن ليس من المعقول هرسلة جميع من في التلفزة يوميا بطريقة بذيئة».
لن تتوقف معركة الإعلام العمومي في تونس قريبا، بما أن أغلب زعماء السياسية وضعوا فيها أيديهم وحولوها من قضية «كفاءة مهنية» إلى معركة مراكز وخطاب سياسي.