استقبلت «دار الأنوار» صباح أمس المناضل والسياسي والمفكر والاعلامي اللبناني المقاوم الأستاذ ناصر قنديل الذي جاء في زيارة مجاملة واعتراف منه بالدور الذي قامت به ولا تزال، هذه المؤسسة، في الدفاع عن الأمة ونصرتها.. سعة معرفة هذا الرجل وحماسته لقضايا أمته ولمشروعها القومي العروبي فضلا عن تلقائيته النادرة جعلت من هذه الزيارة مناسبة للنقاش ولتطارح الأفكار والآراء حول جملة من المسائل والملفات العربية الشائكة.. و«الشائقة».. كان الملف السوري أحد عناوينها الأبرز.. عن هذا الموضوع يجيبك الرجل، بلغة هادئة وعقل رصين وعمق في التحليل «يطوف» بك فيه بين زوايا الحالة السورية ليضعك من ثمّة في سياقاتها وسيناريوهاتها وامتداداتها العربية والاقليمية والدولية دون أن يشعرك بالرتابة والملل.. أو يبدّد ما «تسلّحت» به من أمل.. الأزمة في سوريا موجودة، هذه حقيقة يؤكدها لك الأستاذ ناصر قنديل منذ البداية بل يؤكد لك أيضا أن هذه الأزمة نهايتها ليست قريبة.. لكن لماذا؟.. هنا يحاول الأستاذ ناصر قنديل أن «يطرق» الاجابة عن هذا السؤال بهدوء.. لكن قبل أن «يسوق» لك الاجابة يحاول أن يضعك في سياقها أولا..وسياقها هذا يتطلب أربعة عناصر يراها الأستاذ ناصر كما يلي:
1) ان هناك استحقاقات وآجال لها علاقة بالجغرافيا السياسية للمنطقة في ضوء الانسحاب الأمريكي من العراق في نهاية 2011 والانسحاب الأمريكي المتوقع من أفغانستان في موفّى 2014. 2) الحضور الذي كان مفاجئا للجميع بدخول الصين وروسيا الى لعبة «الفيتو» بمجلس الأمن بشأن الموضوع السوري. 3) موضوع إيران وملفها النووي ودورها الاقليمي. 4) أمن اسرائيل بعد هزيمة 2006 و2008.
.. وهذه العناصر كلها إذا ما تمّ استثمارها، وإذا ما أخذنا بها، كما يقول الأستاذ ناصر قنديل فإن النتيجة أن أمن اسرائيل لم يتمكّن من الحصول على «بوليصة تأمين» له لا من إيران ولا من سوريا ولا من «حزب اللّه».. فما هي «بوليصة التأمين» التي يريدها الأمريكي إذن؟.. يطرح النائب اللبناني السابق السؤال ليجيب بأن الأمريكيين يعتقدون اليوم أن الرئيس بشار الأسد ضعيف وأن إيران يكفيها اللعبة الاقليمية.. وبالتالي فإنه يجب أن يكون هناك مخرج.. لكن ما هو المخرج؟.. هنا يشير الإعلامي والمفكر العربي الى تصريحات أخيرة لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قالت فيها إن تنحّي الرئيس بشار الأسد ليس شرطا أن يكون سببا لبلورة عملية سياسية بسوريا بل يمكن أن يكون نتيجة له، ليوضّح بذلك التراجع في الموقف الأمريكي الذي قد يكون بات منفتحا على «تخريجة سياسية» ليس أحد شروطها تنحّي الأسد.. لكن هذا التغيّر في الخطاب الأمريكي لا تبدو سوريا معنية به أو مراهنة عليه كثيرا.. بل إن رؤية الأسد، كما يوضحها الأستاذ ناصر قنديل، تقول بأنه «لقد تحمّلت خمس سنوات حرب استنزاف.. فإذا كانوا يتحملون دعهم إذن، يكملون».. في المقابل تبدو رسائل «حزب اللّه» وحساباته جاهزة لاسرائيل، في هذه الحالة وكأنه يقول لإسرائيل «الانتظار ليس في صالحك والزمن لن يفيد وها نحن نزداد في العتاد والعديد.. نحن اليوم أشدّ بأسا وقدرة وها نحن نمتلك بدل الصواريخ التقليدية التي لا تصل إلا الى ما بعد حيفا، صواريخ برؤوس متفجّرة زنتها 500 كلغ تطال كل فلسطين، هذا عدا عما يقوله الاسرائيليون عن امتلاك حزب اللّه سلاح جوي ورادارات».
وهذا يعني أن سقف ما تقبل به سوريا وإيران بضمانة روسية لن يتعدّى ربط النزاع بالامتناع عن الحرب المتبادلة بين اسرائيل والداعم للمقاومة من جهة أخرى مقابل ترك اللعبة في الميدان في ظلّ ميزان الردع بين الاحتلال والمقاومة وهذا يعني ترك عامل الزمن يتكفل بتآكل اسرائيل.
لكن هذا الاحتمال قد يعمل الصهاينة على إفشاله.. وفي هذه الحالة قد تميل الكفّة الى الخيار الثاني الذي يراه، ضيف «الشروق»، في شكل حرب اسرائيلية مفتوحة على التسوية.. حرب قد تكون شاملة لكن قد يكون الأمريكان والروس فيها «متفقين» على غرار حرب أكتوبر.. «عن غير قصد».. «يستدرج» ذكر حرب أكتوبر «الشروق» الى التطرّق الى الملف المصري وتموقعه مصر «الدولة والدور» في المشهد العربي بتجاذباته وامتداداته وارتداداته.. لكن السؤال الأساسي هنا أين مصر، من الأزمة السورية؟
مصر لن تكون أولوية في المرحلة القادمة إلا إذا لم يكسب أحمد شفيق الانتخابات الرئاسية القادمة أو إذا انكسرت «العقدة السورية» لأن يضيف الأستاذ ناصر قنديل وصول أحمد شفيق سيعني بوليصة تأمين متوسطة المدى ضد الفوضى في مصر وانكسار الحلقة السورية وفرصة حياة المشروع التركي القطري، بمقايضة تسليم السلطة للاخوان المسلمين في سوريا ومصر مقابل تعميم كامب ديفيد على جبهتي وخنق المقاومة في فلسطين عبر استدراج «حماس» الى أفخاخ التسوية تحت راية محمود عباس بذريعة «البحث عن المشتركات ووحدة الصف».