نظمت جمعية «مواطنة وحريات بجربة» ندوة بعنوان «أي مشروع مجتمعي نريد» وذلك بحضور عياض بن عاشور وحمادي الرديسي. وفي المداخلة التي قدمها الرديسي كان الحديث عن الاختلاف حول مجموعة من المفاهيم مركزا على الديمقراطية والحرية والهوية. أما مداخلة بن عاشور فلقد ركزت على ظاهرة الاستقطاب الثنائي التي أصبحت تشهد تراجعا وهو مؤشر ايجابي. تحدث الأستاذ حمادي الرديسي عن مجموعة من العوائق التي منعت تونس لسنوات طوال من انجاز ما تسعى لانجازه اليوم، لكن حسب الرديسي وما ان انطلقت عملية الانجاز، ظهر أن ما هو مجتمعي أي ما نحن نتعامل به مع بعضنا البعض وما نحن في صراع فيه مع بعضنا البعض ثم ما نصبوا اليه مع بعضنا البعض, ظهر أن ذلك في خلاف واختلاف في ثلاثة مستويات.
المستوى الأول هو أننا لا نعرف أي ديمقراطية نريد، اذ يرى البعض أن الديمقراطية اجراء وهي انتخابات، حيث لوحظ ذلك بعد 23 أكتوبر... وفي المقابل هناك تصور آخر للديمقراطية وهو أن الديمقراطية ليست اجراء ، هي خضوع الشعب للقانون وهي قيم... وبالإضافة للاختلاف حول الديمقراطية، فان الاختلاف الثاني هو حول الحريات.
والمتفق عليه اليوم على حد قول الرديسي أن تونس أنجزت العديد من الحريات ولكن هناك اختلاف حول مفهوم الحرية. فهناك من يعتقد أن الحرية لها حدود لكن دون اتفاق حول هذه الحدود. أما المستوى الثالث فهو مسألة الهوية، قضية من نحن ؟ فهل نحن نريد أن نكون شيء آخر لكن في الحقيقة نحن نريد أن نكون ما نحن عليه... ويرى الأستاذ عياض بن عاشور أن المجتمعات تتغير وتتطور بفضل ما تشهده من صراعات بمختلف أنواعها وهذه الصراعات هي التي تحرك التاريخ أكثر من غيرها. المجتمعات تتطور وتتغير كذلك عندما يتفق الفاعلون ويتفاوضون ويصلون الى اجماع والى توافق اجتماعي فكل ذلك يمكن أن يكون عنصر ضغط على التغيير.
وحول السؤال أي مشروع مجتمعي نريد؟ يرى الأستاذ عياض بن عاشور أن السؤال الذي يجب أن يطرح هو أي مشروع مجتمعي في الظروف الراهنة نريد؟ المجتمع التونسي منذ القرن التاسع عشر يعيش استقطابا ثنائيا في جميع مستويات العيش والعادات والمذاهب والسياسة... وهذا الاستقطاب الثنائي يتمثل في صراع مذهبي ومادي ومعنوي. ولقد عبر خير الدين باشا عن هذا الاستقطاب في كتابه «أقوم المسالك « حين ألف بين الحداثة المستوردة من الغرب وبين التراث. فبالامكان اليوم على حد قول الأستاذ بن عاشور أن نجدول حياتنا في جميع المستويات المادية والمعنوية والمذهبية...هذا الاستقطاب شمل مختلف أطوار التاريخ التونسي وهو شمل كذلك الثورة التونسية.
فهذا الاستقطاب الثنائي مازال هو العامل الموضوعي الذي يحرك تاريخنا. لكن هذا الاستقطاب بدأ اليوم يتراجع ويضمحل والعودة الى نقطة التوازن في مجتمعنا. ورغم تراجعه فهو مازال موجودا. ليعود الأستاذ بن عاشور للحديث عن لحظة الثورة التونسية قائلا «ولحظة الثورة التونسية أحب من أحب وكره من كره هي لحظة تحديثية فكل النداءات والشعارات كانت ترمي الى طلب حقوق الانسان من ديمقراطية وعدالة اجتماعية كما نادت باللائكية والعلمانية وبالتعددية وبالتداول في الحكم وبدولة القانون فالثورة التونسية رسالتها واضحة فهي ثورة تحديثية لم نسمع خلالها شعارات دينية أو شرعية أو تطبيق الشريعة في المجتمع.. ويواصل مؤكدا «أن من قام بالثورة هم شباب مولعون بالانترنات، هم الأساتذة والأطباء والمهندسون وصيادلة ومحامون الذين أطرهم الاتحاد العام التونسي للشغل وأطرهم الوطد والبوكت وهؤلاء هم الفاعلون الحقيقيون في الثورة وهم الذين نطقوا باسم الثورة... ثم جاءت الانتخابات لكن السؤال الذي يطرح هل أن الشعب الذي عبر عن ارادته لحظة الثورة هو نفس الشعب الذي عبر عن ارادته في الانتخابات؟ والاجابة بالنسبة لي هي لا... أنا لا أطعن في مصداقية الانتخابات لكن الانتخابات هي تعبير عن فئة من الشعب ليست الفئة التي جاءت بالثورة». وتحدث الأستاذ بن عاشور عن بعض المظاهر التي حدثت ما بعد الثورة قائلا في هذا الاطار: «لاحظنا أشياء ما بعد الثورة لم نكن نتصورها لحظة الثورة مثل الكلام عن ختان البنات، كلام عن تعدد الزوجات، كلام عن تطبيق الشريعة، كلام لم نكن نسمعه أبدا لحظة الثورة «.مضيفا « ان الفوز الانتخابي لحركة النهضة حرر هوامش كانت تجول حول المرجعية الاسلامية وهي الهوامش المتطرفة. فبين لحظة الثورة ولحظة الانتخابات هناك تباين. هذا التباين هو أين نحن سائرون اليوم؟ وليس أي مجتمع نريد؟ فالمسألة ليست اختيارية».
وفي اجابته عن ذلك السؤال يقول بن عاشور «شاهدنا في السنوات الأخيرة ما أسميه شخصيا أيسرة الاسلام وأسلمة اليسار وهو ما يعبر عن النضال الذي قادته حركة النهضة واليساريين معا ضد الدكتاتورية وتتمثل في مبادرة 18 أكتوبر 2005 ثم في جميع الاعلانات المشتركة بين اليسار التونسي وحزب النهضة. ونشاهد اليوم ما يبين تقهقر الاستقطاب الثنائي وهو أيسرةالاسلام وأسلمة اليسار، فأصبحنا نشاهد الحداثي الذي يتكلم خطاب الاسلام وفي المقابل المناضل الاسلامي الذي يتكلم خطاب الحداثة. فنرى من جهة حركة النهضة تؤكد على أنها حزب سياسي وليست بحزب ديني وتطالب بمجتمع مدني وبدولة مدنية ومن جهة أخرى فان حمة الهمامي وشكري بلعيد أصبحت لهما مرجعية للصحابة وللشيخ الطاهر بن عاشور. ويختم الأستاذ عياض بن عاشور مداخلته بقوله «تونس وبعد أن قسمها على أكثر من قرن الاستقطاب الثنائي، فان هذا الاستقطاب اضمحل اليوم ونحن سائرون نحو تهدئة الجو العام في البلاد».
وبعد المداخلتين فتح باب النقاش اذ سجلت العديد من التدخلات القيمة من قبل الحاضرين الذين غصت بهم قاعة المركز الثقافي المتوسطي بحومة السوق. حيث كان الاقبال كثيفا وسجلت العديد من الأحزاب والجمعيات حضورها. ويحسب نجاح هذه الندوة للعمل الكبير لجمعية مواطنة وحريات بجربة منظمة هذه الندوة والعديد من الندوات الأخرى.