تابعت الصفحات التونسية يوم أمس دعوات أنصار النهضة في الموقع الاجتماعي إلى «مسيرة مليونية» احتجاجا على ما تسميه المسّ من المقدسات الإسلامية، وحذّر ناشطون وحقوقيون كثيرون من أن هذه المسيرة ليست سوى استعراض قوة ستستفيد منه التيارات السلفية العنيفة الداعية إلى الانتقام من الفنانين. عند منتصف نهار أمس، وفي قلب حملة أنصار النهضة للدعوة إلى المسيرة المليونية، ظهر بيان في صفحة وزارة الداخلية يعلن عن عدم الترخيص لهذه المسيرة، لكن ذلك لم يمنع العشرات من الصفحات القريبة من النهضة ومن التيارات السلفية من الاستمرار في الدعوة إلى التظاهر يوم الجمعة. وكتب ناشطون كثيرون إنهم ينتظرون من قائد حركة النهضة أن يطلق عبر وسائل الإعلام نداء واضحا إلى أنصاره يدعوهم إلى الامتناع عن هذه المسيرة والامتثال للقانون ولقرار وزارة الداخلية، لكن شيئا من ذلك لم يحدث يوم أمس.
وحذر حقوقيون كثيرون من مخاطر هذه المسيرة التي يريد لها أنصار النهضة أن تكون مليونية، كتب حقوقي ينشط في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان: «إن خروج عشرات الآلاف من الناس إلى الشارع مدفوعين بالحماس الديني سوف يخلق مشاكل لا تحصى، سوف تحدث تجاوزات كثيرة في حق الفنانين والفضاءات الفنية والحقوق المدنية عامة». واعتبر ناشطون من المعارضة أن هذه المسيرة ليست سوى استعراض قوة من حركة النهضة وحلفائها من السلفيين ضد خصومهم وضد كل من يدعو إلى تغليب وحماية حرية التعبير. قرأنا في صفحة ناشط نقابي معارض للحكومة: «هذه المسيرة تهديد واضح لكل من يعارض المتشددين، سواء كانوا في النهضة أم من السلفيين».
كما تحدث آخرون عن احتمال حدوث تجاوزات وفوضى بحكم الحماس الديني الذي تم تجييشه في الأيام الأخيرة، وأن تحدث مصادمات أو هجومات على محلات عمومية أو ممتلكات عامة. كتبت ناشطة في جمعية نسائية: «في ظل التوتر الكبير والاحتقان الذي نعيشه في الأيام الأخيرة، لا أحد يستطيع أن يقدم ضمانات للناس أن مثل هذه المسيرة لن تشهد تجاوزات وأحداث عنف، لقد لجأت الحكومة إلى فرض حضر الجولان لأن الوضع متفجر، والأعصاب مشدودة، فلماذا يقرر الغنوشي تنظيم مسيرة احتجاج في مثل هذا الوضع المتوتر ؟».
وبعد إعلان وزارة الداخلية عن عدم الترخيص للمسيرة، استمرت العديد من الصفحات القريبة من النهضة في الدعوة إلى المسيرة، واعتبر زميل يكتب تحاليل جيدة أن عدم الترخيص للمسيرة لا معنى له، وأضاف: «في ظل حالة الانفلات التي تعيشها المساجد، واستقلال أغلبها عن وزارة الشؤون الدينية ووقوع الكثير منها تحت سلطة أمراء السلفية، سوف تخص خطب الجمعة لموضوع التعدي على المقدسات والمس من الذات النبوية، سوف يتم حشد وشحن المصلين لكي ينطلقوا في الشوارع بعد صلاة الجمعة في فيضان لا يحكمه أحد، وعندها سوف تكون كل الاحتمالات السيئة ممكنة». واعتبر محللون وكتاب كثيرون في الصفحات التونسية أن السلفيين سوف يخرجون في كل الحالات للاحتجاج في الفضاء العام، وأنه لا أحد يضمن أن لا يبلغ بهم الحماس حد تهديد النزل أو مظاهر الحياة السياحية في العاصمة.
وكتبت ناشطة حقوقية من سوسة رسالة إلى السيد الغنوشي تتساءل فيها: «سيدي، إن مسيرتكم ليست سوى دعوة إلى المزيد من التوتر والاحتقان في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد، كم كنت أتمنى لو دعوتهم إلى الهدوء وضبط النفس وإدانة كل من يتورط في الاعتداء على الأشخاص والممتلكات».
بدت تونس من خلال ما ينشر في صفحات الموقع الاجتماعي يوم أمس مقبلة على يوم عصيب له ما يتلوه من الأيام الشاقة والمخاوف، «تونس تضع يدها على قلبها» كما كتب زميل في المشرق، بسبب احتمال تجدد العنف في الفضاء العام، وتطور الخطاب الجهادي الذي يهدد الوحدة الوطنية والدولة المدنية، خصوصا في ظل رواج أخبار عن تواطؤ أجهزة دولية مع عناصر إرهابية من تونس وخارجها لإطلاق العنف الديني في البلاد.