لا أحد يدافع هذه الأيام عن عدل التنفيذ الذي كان وراء أزمة معرض العبدلية، بل أصبح هذا الرجل منذ أن تم ايقافه أداة حرب طاحنة بين أنصار النهضة الذي يعتبرونه معارضا مندسا لاستفزاز السلفيين وبين أنصار اليسار الذين يقولون انه على علاقة بالسلفييين. في الصفحات التونسية، تبدو حكاية عدل التنفيذ محمد علي بوعزيز شديدة الغموض وتحيط بها الكثير من التهم المتضاربة، وهو يشغل الكثير من الصفحات والناشطين الذين يجمعون هذه الأيام أن إيقافه ومساءلته أمام القضاء كانا ضروريين منذ اليوم الأول، وكتب ناشط حقوقي مستقل: «كان يجب الانتباه الى ما فعله هذا الرجل في ال«فايس بوك» قبل أن يورط الحكومة وثلاثة وزراء وقبل أن يدفع بآلاف السلفيين في مواجهات دموية مع الأمن والناس ويضع البلاد على حافة الحرب الأهلية، لقد تجاوز تأثير فعلته حدود البلاد الى الاعتداء على قنصلية تونس في ليبيا وكل ذلك بسبب الانفلات في ال«فايس بوك»».
ونلاحظ أن أغلب الصفحات النهضوية والقريبة منها التي كانت في البداية تعتبر ما قام به السيد محمد علي بوعزيز «فضحا للاعتداء على المقدسات» قد أصبحت تتهمه بأنه «كان تجمعيا مندسا في المعارضة»، وينشر عدة ناشطين مقربين من النهضة صورا له لا يمكن التثبت من صدقيتها ضمن نشاطات التجمع قبل الثورة، كما يتداولون معلومات تفيد أنه كان منخرطا في حركة سياسية معروفة، أما الأكثر غرابة من ذلك فهو ما نشرته صفحات نهضوية معروفة من أن محمد علي بوعزيز كان منخرطا في حركة يسارية معروفة بمعارضتها الشديدة للحكومة، ويوظفون ذلك في الهجوم على المعارضة التي يتهمونها باستخدام التجمعيين المندسين لاستفزاز السلفيين واطلاق الفتنة في تونس.
في المقابل، أطلقت عدة صفحات معارضة للحكومة تهما ضد النهضة جاء فيها أن عدل التنفيذ المتهم كان ينشط في المساجد وله علاقات قوية بالتيارات السلفية في ضاحية المرسى وأنه قد خطط فعلته بالتنسيق مع بعضهم. وقرأنا في صفحة حركة سياسية قديمة اقرارا بانتماء السيد محمد علي بوعزيز اليها، ونشرت بيانا توضيحيا جاء فيه أنه عندما تم قبول انخراطه بالحركة، لم يكن أحد يعلم شيئا عن ماضيه التجمعي الذي نجح في اخفائه، الى أن تم طرده من الحركة بتهمة تخريب مقرها المركزي.
وهكذا بدأ فرقاء السياسة في تونس يتقاذفونه، كل واحد ينسبه الى الآخر، لكن أطرف ما تم نشره عنه هو حوار في احدى الاذاعات الخاصة يعلن فيه عن حاجة البلاد التونسية اليه، وعن نيته الترشح للرئاسة، وهو موقف تم تداوله بكثافة في العديد من الصفحات التونسية في اطار الطرافة والغرابة، وكتبت ناشطة شابة من اليسار: «ينجم يترشح من دار خالته توه»، فيما أجمعت أغلب التعاليق على أن البلاد قد نجت من ترشحه، اذا كان سيمارس السلطة بالطريقة التي فعلها في معرض ربيع الفنون بقصر العبدلية.
وبالتوازي مع معارك النهضة والمعارضة، ثمة مقالات رصينة تذكر بأن هذه الفتنة التي وضعت البلاد على حافة الحرب الأهلية انطلقت من الأخبار المزيفة في الموقع الاجتماعي، وأن حالة الانفلات في الصفحات التونسية هي السبب الأول في ما حدث. قرأنا في صفحة ناشط سياسي تعليقا مطولا جاء فيه: «ما يؤلمني أننا لم نفهم الدرس المطلوب من حادثة قصر العبدلية، والمثير للدهشة هي هذه السرعة التي انخرط بها التونسيون في الفتنة دون تثبت، السلفيون رموا أنفسهم في الجهاد، اليسار اتهم الحكومة، والحكومة هاجمت الفنانين أخذا في خاطر السلفيين، كل ذلك دون أن نسمع كلمة واحدة تدعو الى التريث والتدقيق».
يكتب محام معروف في صفحته: «طالما أن الذين يبحثون عن الفتنة ينشطون في ال«فايس بوك» مستغلين العداء والاستقطاب السياسي بين التونسيين، فسوف لن تكون حادثة قصر العبدلية هي الأخيرة»، وفي هذا الاطار دعا العديد من الزملاء الى حملة لتطهير الموقع الاجتماعي من كل من ينشر الأخبار الزائفة أو يدعو الى فتنة، يكتب ناشط معروف بحياده عادة: «مشكلة عدل التنفيذ أنه تورط باسمه وهويته الحقيقية، لدينا آلاف أكثر خطرا منه بأسماء وهمية لا عمل لهم سوى بث الفتنة وإشعال الحرائق»، لذلك تبدو دعوة تطهير ال«فايس بوك» التونسي بلا أفق، ولا تجد أنصارا يذكرون. لا أحد يدافع هذه الأيام عن عدل التنفيذ الذي كان وراء أزمة معرض العبدلية، بل أصبح هذا الرجل منذ أن تم ايقافه أداة حرب طاحنة بين أنصار النهضة الذي يعتبرونه معارضا مندسا لاستفزاز السلفيين وبين أنصار اليسار الذين يقولون انه على علاقة بالسلفييين.