القيروان، مجد كبير في الماضي ومخزون حضاري ومع ذلك فيها من الفقر الكثير وما ينتظر من حظ التنمية أكثر. والقيروان تفتقر الى مشاريع تنموية في حجم قامتها القديمة رغم ما يتوفر فيها من مقومات طبيعية وثراء وزاد بشري. في القيروان يشكو المعطلون عن العمل من غياب مشاريع استثمارية تحقق أحلامهم الى جانب حلمهم بالوظيفة العمومية. ويشكو الفلاح من عجزه عن فلاحة أرضه بسبب غياب رأس المال فتذهب ثروات الأرض جفاء او هباء في متاهات الاحتكار والسمسرة والى مصانع تحويلية خارج الولاية. والمستثمر الذي يزور القيروان تعترضه تعطيلات كثيرة، وهكذا شاءت الأقدار للقيروان ان لا تكون ذات أولوية في التنمية وان تكون منطقة خطر في مجال الاستثمار السياحي. ثم يقولون لماذا تأخرت القيروان التي احتار نائب التأسيسي في تصنيفها الى اي الأقاليم تنتمي، هل الى الجهات الغنية ام الى الجهات ذات أولوية في التنمية؟ وتغزل بها الاخر شعرا كأنها ايقونة درية معلقة بين الارض والسماء. والحقيقة هي ان القيروان غنية بمواردها الطبيعية وثرية بمقومات التنمية والاستثمار. وفيها من أبواب الخير والبركة ما لا يحصى ومع ذلك فدورها في التنمية مهمش. والقيروان يمكن ان تكون جزءا من الحل التنموي ليس لجهة القيروان ومختلف معتمدياتها بل أيضا لكامل التراب التونسي الملتحف بالثورة وصابة الحبوب والزيتون تشهد على ذلك ناهيك عن قائمة الثروات والخيرات التي لا تحصى. الأمر الآخر الذي ساهم في تأخر جهة القيروان عن الإمساك بزمام المبادرة وعن تدهور الوضع التنموي، هو تقاعس أبنائها عن أداء واجبهم التاريخي بعضهم او كثير منهم. فلم تكن هناك اية مبادرة للالتفاف حول مشروع واحد يهم القيروان مثلما شاهدناه في جهات أخرى. وأبناء القيروان وخصوصا رجال الأعمال يستثمرون بشكل كبير في عديد الجهات لكنهم ينفرون من الاستثمار في القيروان والسبب في ذلك كثير. وهذا ليس من باب الجهويات وانما من باب التأكيد ان كل جهة يبنيها أبناؤها. ومن الضروري ان تتوحد جهود أبناء القيروان في مختلف المجالات من اجل النهوض بوضعها المزري الى حال افضل تستحقه. في شهر رمضان تتحول القيروان الى وجهة بارزة تشرئب اليها الأعناق. وهاهي مناسبة سانحة لتقديم مشروع سياحي او ثقافي يساهم في دفع عجلة الاقتصاد ويدفع الى الاستثمار بالجهة. مهرجان الفروسية في زعفرانة ومهرجان الإنشاد الصوفي وحلقات العلم في رمضان وصلاة التراويح في جامع عقبة وجوامع القيروان العتيقة واسواقها وعاداتها ومعالمها هي منتوج ثقافي وسياحي يغري الزائر التونسي وغير التونسي ليحصل على نصيبه من القيمة الحضارية للمدينة. وهذا يحتاج الى عمل جماعي وورشة كبيرة. والقيروان عرفت بهدوئها وسكينتها التي وهبتها اياها كرامات الاولياء الصالحين وحكمة التابعين من بعدهم. وهذا الهدوء هو رأسمال يجب على ابناء الجهة استثماره وتسويقه في صورة مغرية. وابناء القيروان مدعوون الى البناء والمساهمة في التنمية مثل صاحب مسكن لا يتوانى في إصلاح بيته وترميمه من اجل السكينة والراحة بعد التعب. وفي القيروان يجب ان تشمر السواعد وتسرج الركاب وتخلص النوايا وتعد العدة ويجمع رس المال من اجل مشاريع ترفع راية القيروان. فالفلاحون والتجار والصناعيون ورجال الاعمال مدعوون الى الدخول في تآلفات ومجمعات من اجل جمع الجهد وشحذ العزيمة لتحقيق البناء. على الارض ما يستحق الحياة مثلما قال محمود درويش الذي تالم واحترق من اجل وطنه، وفي القيروان ما يستحق الحياة ويستحق العناء من اجل البناء. وبناة القيروان هم ابناؤها رجالا ونساء. وانها لفرصة لجمع شتات الجهود ورص الصفوف وتجميع النوايا الصادقة والخروج من الصمت القاتل من اجل كلمة واحدة وهي تنمية القيروان خدمة لأبنائها ووفاء لمجدها وإرث بناتها وعرفانا لفضلها على سائر ما في الارض. في القيروان ما ينتظر الاستثمار فأين ابناؤها؟