نحمد اللّه ونشكره على أن لنا عدّة أنواع من القمح الصلب، ولعلّ من أشهرها وأميزها وأرقاها نوعية هو القمح المحمودي. هذا القمح الذي نحن في أوج حصاده وقلوبنا ملآنة فرحا وغبطة وسرورا بصابته العارمة، حسب أولئك الذين يزنون الحبوب وهي في بطن سنابلها ويتباهى الحكام بهذا الوزن وهم أدرى الناس بأن «البسكولة بلا طابع» في كل الحالات ولا خوف لنا على قمحنا المحمودي لا من الأعشاب الطفيلية ولا من الأمراض الفطرية. فلنا لكل داء دواء، وإن كان سعر الدواء في حدّ ذاته داء وإنما نخشى على المحمودي من أن تطاله يد التهريب كما طالت الطماطم والفلفل والبطاطا والبصل والبيض وما ابيّض من اللحوم بياض أيادي المساكين من «وسخ الدنيا» وذات يوم أحد سمعنا بأن «المحمودي» تمّ تهريبه على نفس الطريقة المتوخاة في كل تهريب عبّر الحدود فتملكنا الخوف على «خبزتنا» وتنفسنا الصعداء في أول «الصعدة» لأن «المحمودي» المهرب هو المحمودي الليبي وإن كان بغداديا وليس المحمودي التونسي التونسي.
ويبدو حسب جلاس الكراسي والسجاد السياسي أن عملية التهريب تمّت على أن يكون نصيب تونس من هذا المحمودي الليبي بعد طحنه وغربلته وتصفيته طبعا «النخالة» (السدّاري) ل«الهوّش» في هذه الأيام العجاف. ولهذا لا غرابة إن تناطحت أتياسنا وأكباشنا وعجولنا وتراكلت بغالنا وأحمرتنا لمجرد رؤيتها للمخلة حتى وإن كانت فارغة لا شيء فيها، فذاك من شيم الدواب التي تربت على «التمخيل». فمما الغرابة ممن يتحدثون عن الركل والتناطح والضرب في الظهر؟ وهنالك من تحدث بصريح العبارة عن الغدر وإن كان الغدر من شيم الكلاب، فإن أهل الريف يعرفون أن «النخالة» تثير حفيظة الغدر والنباح عند هذا المخلوق الأهلي الأليف الغادر ورغم أن كل الأوضاع أصبحت «سدّاري» يبقى السؤال قائما (آش يشبّعْ البقاري مالسّداري).