تحتل ولاية القيروان المرتبة الأولى في إنتاج الطماطم. وتقدر قيمة تعاملات القطاع بأكثر من 7 ملايين دينار. وهي ذات قيمة اقتصادية عالية بفضل مساهمتها في مختلف الأنشطة الاقتصادية الفلاحية والصناعية والتصديرية، غير أنّ آفاق التصرف في المنتوج تبقي محدودة. تتوفر بالجهة مساحات شاسعة مخصصة لزراعة الطماطم لكنها بالمقابل في آخر الترتيب من حيث عدد المعامل (معملان) مقارنة بولايات أخرى اقل انتاجا ولكنها أوفر حظا بفضل السياسات القديمة. وتشهد مساحات الطماطم توسعا بهدف تحقيق مرتبة ريادية تعزز ما يتوفر بالجهة من المقومات الضرورية لإنتاجها غير أن بلوغ هذه النتائج الطيبة لم تخل من الصعوبات والعراقيل التي أضحى يواجهها الفلاح منها ما يرتبط بالعوامل المناخية ومنها ما يرتبط بنوعية المشتلة ومنها ما يتعلق بجوانب الدعم والتسويق ونظام التعاقد الذي كبل الفلاح وتدخل الوسيط بشكل يضر بالفلاحة وبالانتاج.
تكاليف باهظة وصعوبات
تشهد حقول الطماطم بالقيروان حركية شديدة. حيث يستقطب القطاع مختلف الناشطين. الشبان والكهول والنسوة ياتون من مناطق وقرى متداخلة. وجدناه وسط حقله الشاسع في حيرة من أمره وهو ينتظر العمال. «هناك مشاكل كثيرة هذا الموسم منها نقص اليد العاملة وغلاء أسعار التكلفة ومشاكل المشاتل» هكذا تحدث الفلاح لسعد بن قاسم بنبرة سخط. وأفاد انه متعاقد مع مزوّد للمواد الفلاحية يوفر له المشتلة والأدوية والأسمدة وبعض الأموال. لكنه هذه السنة غير مسرور نتيجة نوعية المشتلة التي قال انها مريضة. حيث غرس 4 هكتارات وتفطن إلى مرض المشتلة. فاعلم «المزوّد» الذي ابلغ المعمل بدوره فأرسل إليه مهندسا فلاحيا للتشخيص فطمأنه بتحسّنها طالما يعطيها الأدوية التي وفرها له المزوّد بأسعار مرتفعة. واستعمل الادوية لكن دون جدوى واطلعنا على وجود تباين واضح بين المشتلة المريضة والسليمة. كما أشار «لسعد» الى انه مازال يتفاوض مع المزوّد بشأن ضعف مردودية الإنتاج. ويتوقع خسارة كبيرة وحسب ما يظن انه سيلتجئ إلى القضاء لأنه تربطه معه وصولات ديون ولا يستطيع تسديدها. اين التشجيع؟
أما الفلاح المنصف البرهومي فهو صاحب ارض فلاحية لكن تنقصه الماديات والتجهيزات وهو صاحب أفكار ويتقن الفلاحة جيّدا فلجأ إلى جاره لتمويله وغرس 4 هكتارات طماطم لأول مرة في أرضه. وقال انه شرع في جني الطماطم وبالتالي تواصل المصاريف من خلال تشغيل حوالي عشرين عاملة (250 مليما للصندوق الواحد علاوة عن تكاليف نقلهن). وانتقد بشدة غلاء الأسمدة والأدوية والكهرباء. وطالب الجهات المعنية بالتدخل من اجل الرفع في سعر قبول الطماطم إلى150 مليما للكيلوغرام الواحد حتى يتسنى للفلاح ربح متواضع ومستور.
أما المهدي الحامدي فبين ان تطور زراعة الطماطم يرجع بالأساس إلى وفرة الأراضي الشاسعة بالقيروان وطالب بضرورة تشجيع الفلاح على خدمة الأرض وتطوير الانتاج وتحسين جودته وتسهيل ترويجه وربط علاقات مباشرة مع مختلف شركات التمويل بالبذور والمشاتل والأسمدة وإعادة النظر في «المزودين» أو الوسطاء واعتبرهم سماسرة بين الفلاح والمعامل والشركات. وهم يستغلون سلطة أموالهم لابتزاز الفلاح البسيط بعقود تقضي بتزويدهم بالأدوية والمشاتل مقابل تسليم الصابة إلى المعامل التحويلية بأسعار مجحفة ومحددة مسبقا لا تراعي سعر التكلفة ولا واقع السوق ولا ديون الفلاح. كما طالب الحامدي بتخفيض التسعيرة للكهرباء فضلا عن تمكين الفلاحين من المشاتل الجديدة الجيّدة ومنح الإنتاج وكهربة بعض الآبار والتدخلات الميدانية لمندوبية الفلاحة لمقاومة بعض الآفات كحافرة الطماطم. وأضاف أن المزوّد والوسيط بماله هو من يسيطرون عن اتحاد الفلاحين من دون انتخابات بتعلة هيئة وقتية. أين المصانع التحويلية
فسّر السيد عليوة الهرابي رئيس خلية الإرشاد الفلاحي بالقيروان أسباب تدهور وضعية الفلاحين بالجهة هو التصاق المزوّد بالفلاح منذ البداية لتزويده بالأدوية والبذور والأسمدة ويفرض عليه اسعار خيالية مضاعفة. وعند الجني تثقل مصاريف النقل لمئات الكيلومترات. وعلاوة عن ذلك يسلم الفلاح صابته للمزوّد بسعر اقل من سعر الذي تشتري به المعامل وهنا المصيبة حسب قوله. ودعا إلى مراجعة أسعار السوق حيث «لا يعقل أن يبيع الفلاح منتوجا أنفق فيه الملايين وانتظره طيلة موسم كامل بمبلغ مائة مليم للكلغ الواحد بينما يباع بالتفصيل بأضعاف الثمن وهو ما يدعو إلى مراجعة عملية المراقبة حسب قوله. وبين أن الفلاح أكبر متضرر من الجانب الترويجي للمنتوج بسبب غياب المصانع التحويلية عن مناطق الانتاج. مضيفا أن هذه الشواغل تهدد بإحجام الفلاح عن إضافة مساحات من الطماطم. وفسر غلاء الأسعار بكثرة الدخلاء على القطاع والوسطاء.
والي القيروان أكد خلال زيارته الأخيرة لمعتمدية القيروان الجنوبية انه سيعمل للابتعاد عما وصفه بالمسكنات من مجالات التنمية والتشغيل والانصراف بجدية نحو المشاريع والبرامج الإنمائية الجادة خاصة في مجال الفلاحة ببعث مناطق صناعية جيدة لاستقطاب المصانع والمعامل للصناعات التحويلية كالطماطم والفلفل حتى تكون القيروان أنموذج في القطاع الفلاحي وهذا ما طالب به أبناء زعفرانة والخضراء والبريكات العرقوب الأكثر منتجين للطماطم.