صنّف الصوم صنفين، صنف ناس صاموا عن الطعام، وصنف صاموا عن الحرام وجميع الآثام، فمن صام عن الطعام فعيده وقت الإفطار، أما من صام عن الحرام وجميع الآثام فعيده كل الأيام، وعند لقاء ربّ الأنام. يقول الشاعر أبوبكر بن عطية الأندلسي: إذا لم يكن في السمع منّى تصامم وفي مُقلتي غضّ وفي منطقتي صمت فحظّي إذن من صومي الجوع والظما فإن قلتُ: إني صمتُ يومي فما صمت ومن المواعظ: «اذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء». ومن يجتنب المآثم والذنوب، ويصوم عن النميمة يكن من أهل الخصوص في رمضان، قال الشاعر: أهل الخصوص من الصّوّام صومهم صون اللسان عن البهتان والكذب ومعلوم ان أصل كلمة الصيام في اللغة الامساك، يقال: صامت الريح إذا سكنت وأمسكت عن الهبوب وصامت الخيل إذا وقفت وأمسكت عن السير، وصام النهار إذا اعتدل، يقول الشاعر: حتى إذا صام النهار واعتدل وسال للشمس لُعاب فنزلْ ويقال للرجل إذا صمت وأمسك عن الكلام صام، قال تعالى: {إني نذرت للرحمان صوما} (سورة مريم 26) اي صمتا إذن فالصيام ليس الإمساك عن الطعام والشرب فقط، في وقت معلوم، بل هو اضافة الى ذلك الإمساك عن الشتم والخصومة والإضرار بالغير، ومن معاني الحديث النبوي الشريف: «إذا خاصمك او شاتمك أحد في رمضان فقل إني صائم» اي إني صامت ولن أخاصمك وأوجهك بمثل كلامك، ويمكن أن يعمل بهذا الحديث النبوي في كامل السنة فلا يخرج المرء من فمه الا القول الطيّب وتصوم جميع جوارحه كل شهور العام عن الأذى والشرّ والخوض في الموبقات وما لا يعني، فيكون الأجر مثلما يحصل لنا في رمضان.