هل أقنع حمّادي الجبالي رئيس الحكومة المؤقتة خصومه السياسيين بما قدمه من إجابات في الحوار التلفزي الذي أجرته معه القنوات التونسية ليلة السبت الماضي؟ كيف كانت قراءة هؤلاء للحوار؟ وما الذي يعيبونه في الجبالي في هذه الفترة التي تشهد حراكا سياسيا واجتماعيا على مختلف الأصعدة؟ هذه الأسئلة طرحناها على طرفي الحكم والمعارضة فكانت الردود مختلفة باختلاف المواقع السياسية.
أولى تلك الردود أتتنا من رضا بالحاج الناطق الرسمي باسم حزب حركة نداء تونس وثانيها من الناطق الرسمي باسم حركة الوطنيين الديمقراطيين شكري بلعيد وثالثها من الناطق الرسمي باسم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وكاتب الدولة للشؤون الخارجية المكلف بآسيا وأمريكا فالاثنان وصفا الحوار بالفاشل والشريك في الحكم وصفه بالناجح والمهمّ جدّا.
الهادي بن عبّاس (الناطق الرسمي باسم المؤتمر من أجل الجمهورية) بعد أيّام قليلة من تبادل خبر حول إمكانيّة تغييره وتعويضه بوزير الداخلية الحالي علي العريّض الذي بات يعرف برجل النهضة القوي أطلّ حمّادي الجبالي رئيس الحكومة مساء السبت الماضي عبر القنوات التلفزية التونسية ليردّ على أسئلة ثلاث صحفيين (علما وأن الجبالي ورث عن الباجي قايد السبسي تغييب الصحافة المكتوبة في إطلالاته التلفزية). هذا الحوار أتى على كل الملفات تقريبا وأهمها توتر العلاقة بين الحكومة واتحاد الشغل بسبب ملف محاكمة نقابيي مستشفى الهادي شاكر بصفاقس واستقالة وزير المالية حسين الديماسي وإشكالية انقطاع الماء للصالح للشراب عن الاحياء والقرى في مختلف جهات البلاد وعن أزمة النيابات الخصوصية ومحاكمة رجال الأعمال وغيرها من الملفات المطروحة.
«كان الحوار هاما جدّا وتطرّق إلى الملفات الهامة في الفترة الأخيرة والفترة القادمة» هكذا قال الهادي بن عبّاس قبل أن يضيف «شخصيّا أساند كل حرف قاله إذ أكّد على الشفافية وتحديد المسؤوليات والانفتاح على الحوار مع اتحاد الشغل وهذا الأمر هام جدا فالاتحاد عليه تفهم الوضع في البلاد وبالتالي يكون مساندا للحكومة وليس معارضا لها». وقال أيضا «رئيس الحكومة تحدث عن علوية القانون وهذا أمر هام كما أن هناك إرادة تسوية وضعية رجال الأعمال الذين لم يُثْبت تورطهم».
وفي ردّ على سؤالنا حول ما إن كان الحضور الإعلامي الأخير لرئيس الحكومة مقنعا وسط معلومات يتم تبادلها حول إمكانية تعويضه بعلي العريض قال الهادي بن عباّس «ليلة السبت رأينا رئيس حكومة متمسّكا بأرقامه وملفاته وله إجابات مقنعة وكاملة أمّا عن فكرة تغييره فالأمر لم يطرح ولن يطرح وظهوره الإعلامي ليس اعتباطيا بل هو مبرمج وظهور إعلامي منتظم». رضا بلحاج (الناطق الرسمي باسم حركة حزب نداء تونس) ما قاله رئيس الحكومة لم يكن في مستوى تحديات المرحلة من صعوبات اجتماعية واقتصادية وغيرها. هو لم يقدّم حلولا للمشاكل المتنوعة التي تعيش على وقعها البلاد فحتّى محاولته لتفسير ما جاء في تقرير صندوق النقد الدولي كان غير مطابق مع ما جاء في التقرير.
كانت قراءة رئيس الحكومة للتقرير مغلوطة فهو ركّز على المؤشرات الإيجابية ولم يتفطّن إلى أنّ تلك المؤشرات هي نتيجة عمل محافظ البنك المركزي الذي تمت إقالته مصطفى كمال النابلي.
حمادي الجبالي لم يأت بالجديد بل هو قدّم مبررات وكأنّ الأمور على أحسن ما يرام بل ولمّح إلى التآمر على الحكومة. هو يتحدث عن نجاحات ليست من ثمار حكومته لأنّ التقارير السابقة عن القطاع السياحي مثلا كانت تتوقع تحسّنا في مؤشرات القطاع خلال العام الجاري مقارنة بعام 2011. ما كنّا ننتظره هو الكشف عن خارطة الطريق الخاصة بموعد الانتخابات وهيئة الانتخابات وموقف رئيس الحكومة من تركيبة الهيئة. ما تحتاجه تونس، بحسب قول بلحاج دائما، هو وفاق وطني لإرجاع الاستثمار والاستثمار لن يعود إلا بتوفر مناخ من الثقة والثقة لن تكون وسط أجواء من عدم الاستقرار والمس بالحريات والدليل محاكمة نقابيي مستشفى الهادي شاكر.
بالنسبة إلى ملف النيابات الخصوصية رئيس الحكومة لم يقدّم الأسباب الحقيقة للمشاكل ولم يقل إنّ قرار الحكومة إنهاء مهام عدد من النيابات وتركيز نيابات جديدة فيها هيمنة حزبية نوع ما هو سبب تلك المشاكل. ولديّ معلومة تقول إنه سيتم قريبا اصدار قرار جمهوري يمنع حلّ النيابات الخصوصية والتجديد لها فتلك النيابات جرى تركيزها بالتوافق وأخذت بعين الاعتبار التمثيليات الحزبية وقد تمّ إنهاء مهام حوالي 190 نيابة. وفيما يتعلّق بقطع الماء بسبب «أخطاء فنيّة» أعتقد أننا لم نعش من قبل أخطاء فنية في التزويد بمياه الشرب الموضوع متعلق بالتسميات التي منعت التواصل بين السلطة الإدارية والسلطة السياسية من جرّاء التسميات الحزبيّة.
شكري بلعيد (الناطق الرسمي باسم حركة الوطنيين الديمقراطيين) ما يمكن الوقوف عنده في حوار حمادي الجبالي أنه جاء في وضع اتسم بثلاث سمات. أولها تفكك الحكومة وانقسامها وعدم انسجامها عززته الاستقالات وتضارب التصريحات وثانيها انكشاف عجز الحكومة الشامل ودخولها في أزمة مفتوحة مع كل القطاعات فهي في أزمة مع اتحاد الشغل ومع القضاة ومع الإعلاميين ومع عائلات شهداء وجرحى الثورة ومع الجهات الداخلية المحرومة ومع النخب.
هذه الحكومة تفوقت في صناعة الأعداء وتوسيعهم حتى أصبحت عنوانا للأزمة وليس جزءا من الحل. السمة الثالثة هي أن الحوار جاء في أعقاب أخبار وتسريبات من صلب النهضة تتحدث عن تحوير وزاري وإمكانية تعويض الجبالي بعلي العريض.
وفيما يتعلق بالحوار في حد ذاته أرى أنه كان من جانب أول خطاب عمومي تعويمي أعاد ما سبق قوله ومن جانب ثان كان خطابا مزدوجا تناقضه الممارسة والوقائع فالجبالي تحدث عن الحوار في حين أنه لم يحاور أي حزب من الأحزاب بل حتى شركاءه في الترويكا لم يحاورهم.
تحدث أيضا عن الوفاق رغم أن الحكومة تمارس الانفراد والسطو المطلق على الادارة ويتحدث عن الحريات والديمقراطية وهو يحاكم نقابيين في صفاقس ويعتقل شباب سيدي بوزيد ويضطهد المناضلين الديمقراطيين في شارع بورقيبة ويتحدث عن ضرورة رد الاعتبار للشهداء والجرحى في حين أنه في الممارسة يدرج في برنامج عمل حكومته مشروع نص لتعويض المساجين السياسيين وهو يتحدث عن دولة مدنية ويمارس منطق القبيلة ومنطق الغنيمة مع الإدارة والمال العام.
كذلك هو يتحدث عن الجهات المحرومة في الوقت الذي تتعمق فيه خصاصة وفقر هؤلاء ويتعزز العطش وتنتشر الجريمة والتهميش والاقصاء. هو يتحدث ايضا عن تنظيم الانتخابات في موعدها المحدد في الوقت الذي يعطّل فيه هيئة الانتخابات. خطابه كان إعادة إنتاج الخطاب المزدوج الذي طبع حركة النهضة.