لقد تمكن الصحابة الكرام من فهم القرآن الكريم لأنه نزل بلسان عربي مبين على أساليب لغة العرب و بلاغتهم كما ذكر ابن خلدون في المقدمة. فكانوا يفهمونه و لو إجمالا على تفاوت بينهم في الفهم بحسب مداركهم العقلية، و معرفتهم بما أحاط بنزول القرآن من ظروف، و بمدلول الألفاظ. فقد تساءل عمر بن الخطاب عن معنى «الأب» في قوله تعالى: «وفاكهة وأبا» (عبس:31) حيث قال: هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأب؟ كما روي عن ابن العباس قال: كنت لا أعرف معنى: «فاطر السماوات و الأرض» حتى أتاني أعرابيان يتخاصمان في بئر. فقال أحدهما: أنا فطرتها، بمعنى أنا ابتدأتها ولكن هنا حقيقة لا بد من اعتبارها، وهي أن، ما اختلف الصحابة في تفسيره من الآيات لم يكن مما فسره النبي صلى الله عليه و سلم و لو كان لهم نص في تفسيره لم اختلفوا.
و من اجتهادات الصحابة في التفسير ما رواه البخاري عن ابن عباس قال:«كان عمر يدخلني مع شيوخ بدر، فكان بعضهم و جد في نفسه و قال: لم يدخل هذا معنا؟ إن لنا أبناء مثله فقال عمر: لأنه من أعلمكم . فدعاهم ذات يوم فأدخلني معهم. و ما رأيت أنه دعاني فيهم إلا ليريهم: فقال: ما تقولون في قوله تعالى: «إذا جاء نصر الله والفتح... إلى آخر السورة» (النصر). فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله و نستغفره إذا نصرنا و فتح علينا. و سكت بعضهم و لم يقل شيئا. فقال: و أنت ما تقول؟ فقلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه و سلم قد اقترب، و قد أعلمه الله بذلك. فقال عمر: «لا أعلم منها إلا ما تقول» (رواه البخاري). وهذا يدل على قوة فهمه و جودة فكره.
و لعل من خير ما قيل فيه قول ابن عمر: «ابن عباس أعلم أمة محمد بما أنزل على محمد». ثم يليه في المرتبة عبد الله بن مسعود. روى ابن جرير الطبري و غيره عن ابن مسعود أنه قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يتجاوزها حتى يعرف معانيها و العمل بها. و من هذا الأثر يتضح لنا مدى حرص ابن مسعود على تفهم القرآن و الوقوف على معانيه. و عن مسروق قال: « قال عبد الله بن مسعود: و الذي لا إلاه غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا و أنا أعلم فيم نزلت و أين نزلت؟ و لو أعلم مكان أحد بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته. ثم يليه علي بن أبي طالب الذي يروى عنه قوله: «إن ربي و هب لي قلبا عقولا و لسانا صادقا» (قاسم القيسي: تاريخ التفسير: 50-51 ط. المجمع العلمي العراقي 1966).
فهذه المصادر الأساسية للتفسير و هي القرآن و السنة و أقوال الصحابة، كلها من نوع التفسير بالمأثور، و لا يجوز أن يستغني عنها مفسر سواء بالرأي أو بالمأثور. {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، و يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه و يهديهم إلى صراط مستقيم}.