مع تواتر المواسم الاستهلاكية، واقتراب موسم العيد واقتناء الحلويات ولوازم العيد، يعيش التونسي هذه الايام «اختناقا» بسبب كثرة المصاريف بين القفة الرمضانية، وحاجيات عيد الفطر والفواتير التي لا تملّ من تسجيل حضورها... لا سيما الفواتير المنتفخة التي تهاطلت على جيب التونسي هذه الأيام. «الشروق» حاولت قراءة سلوك التونسي ومعرفة إن كان ضحيّة سلوك استهلاكي «مبذّر»... أم هو «خاطيه» ولا حول له ولا قوّة، وضحيّة نظام اجتماعي واقتصادي فشل في تحقيق التوازنات.
بداية جولتنا كانت في صفوف عدد من المواطنين، وتبيّن جليلة (موظفة) أن من حق التونسي أن يتمتع على الأقل بالمناسبات والأعياد. وتضيف بأن العيد فرصة للفرحة ولها طقوسها من اشتراء ملابس جديدة خاصة للأطفال واشتراء الألعاب وتحضير الحلويات. لكن الاشكال يتمثل في وجود حاجيات أخرى مثل وصول فواتير الاستهلاك في غير وقتها وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية مقابل استقرار الأجرة.
من جهته تحدث سي محمد علي (عامل) عن غرقه في تيار من المصاريف التي لا تنتهي وتساءل عن أسباب اختيار هذا الوقت بالذات لوصول فاتورة الكهرباء. وأضاف بأن لديه طفلين يحتاجان لمصاريف العودة المدرسية وملابس العيد وعائلة في حاجة لما تبقى من مصاريف قفّة رمضان والحلويات.
أما مهاب (موظّف) فقد تحدّث عن تحضيراته للزواج ومصاريف الزواج المقترنة بمصاريف «الكراء» والفواتير ومساهمته في ميزانية العائلة والاستعداد للعيد. عموما أبدى عدد كبير من التونسيين عن اختناقهم هذه الفترة بكثرة المصاريف وتهاطل الفواتير وهو ما جعل عدد منهم يلتجئون للتداين.
في المقابل أشار السيد مصطفى (متقاعد) الى أن وضع ميزانية استباقية للعائلة وضبط المصاريف ومعرفة أماكن البيع الشعبية قد تحمي المستهلك ورب العائلة من الوقوع في التداين.
تداين وعجز
بين السيد عبد الجليل الظاهري رئيس مرصد إيلاف لحماية المستهلك أن رمضان هذا العام قد اقترن مثل السنة الماضية بتواتر وتزامن عدّة مناسبات مثل مناسبات الافراح ومناسبات العائلة مع موسم العيد والعودة المدرسية ومع اقتران كل هذه المناسبات تجد العائلة نفسها مثقلة وتعاني القدرة الشرائية للتونسي من الاهتزاز في مواجهة الكلفة العادية للمعيشة والتي تقدر ب 1.2 بالمائة من القدرة الشرائية العامة وقد تعاظم هذا العجز مع حلول رمضان ليصل الى 5.8 ٪ في القدرة الشرائية للمواطن. ومع تزامن هذه المصاريف المناسبة مع «حلول »ركب فاتورة الماء والضوء وأشار السيد عبد الجليل الظاهري الى أن ارتفاع الأسعار خاصة في العشر الأوائل من الشهر الكريم بنسبة 6.9 ٪ وقد تم تعديل هذه الأسعار بعد تدخل أجهزة المراقبة لتصبح 4.9٪.
وأشار محدثنا الى امكانية وصول عجز التونسي وانخرام قدرته الشرائية إلى 8.6٪ خاصة مع اقتناء ملابس العيد الخاصة بالأطفال والحلويات وأضاف أن 75 ٪ من الأولياء الذي كانوا يقتنون بعض الملابس الجديدة في العيد أصبحوا يكتفون بملابس للأطفال.
وتحدث رئيس مرصد إيلاف عن تزامن مصاريف اقتناء حلويات العيد والعودة المدرسية مع العلم أن نسبة كبيرة من التونسيين يدرسون أبناءهم بالمدارس الخاصة اضافة الى مصاريف تسجيل الطلبة بالكليات ومصاريف النقل ووصول فاتورتي الماء والكهرباء.
ولاحظ أن معدل الترفيه عند التونسي لم يتجاوز 5 أيام بين «خلاعة» و«نزل» وأكد محدثنا على أن نسبة التداين عند التونسي قد ارتفعت ب 13.7٪ وتختلف أشكال التداين بين التداين الشخصي والتداين من البنوك أي القروض الاستهلاكية وحول المتسبب في أزمة التونسي مع المصاريف يقول السيد عبد الجليل الظاهري إن المتسبب هو المستهلك وكذلك الحكومة التي لم تعدل الأسعار ولم تقم بتعديل الأجور إضافة الى ارتفاع في قيمة فواتير الماء والكهرباء وكأن التونسي يدفع في فاتورة ما سرقه الطرابلسية والنظام السابق حسب قوله.
اقتصاد.. وضحية
بعض التونسيات سألن عن سعر الذهب لأنهن مضطرات لمجابهة المصاريف، هذا هو حال البعض كما يقول السيد سليم سعد الله نائب أول رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك.
وحول أسباب وقوع المستهلك بين براثن اختناق المصاريف وإن كان الظرف الاقتصادي أم «عيون التونسي» هي الموضوعة في قفصة الاتهام يقول محدثنا إن المنظومة الاقتصادية ككل منحرفة والثورة خلقت نوعا من التسيب في كل شيء لا سيما في الإدارة التونسية.
وأشار إلى تراكم مصاريف مواسم العيد والعودة المدرسية والصيف ورمضان واعتبر أن الإدارة التونسية مطالبة بمراعاة هذه الاعتبارات وتأجيل الفواتير. وتساءل عن أحوال 24.6٪ من التونسيين تحت خط الفقر في ظل الظروف القاسية التي يعيشها متوسطو المداخيل وأكد على ضرورة التلاحم والتكاتف. من جهة أخرى أشار بعض المختصين في علم النفس إلى أن النزعة الاستهلاكية وتراكم الديون وكثرة النفقات دون موارد قد يوقع بالتونسي بين براثن الاكتئاب والضغط النفسي وهو ما يؤدي إلى التوتر المستمر وفقدان للتوازن النفسي.