في سنة 212ه أظهر الخليفة العباسي المأمون القول بخلق القرآن مضافا إلى تفضيل علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه على أبي بكر وعمر وعثمان، وامتحن العلماء من أهل السنة فقد كتب المأمون إلى نائبه على بغداد اسحاق بن ابراهيم الخزاعي في امتحانهم فمن لم يقل بخلق القرآن يعزل عن خطته، لا يفتي ولا يدرّس ولا يتولّى القضاء بل يعذّب ويسجن ويجلد وربما يقتل ويعتبر كافرا لأنه غير موحّد. فمن لم يقل بخلق القرآن يعتبر مشركا يعبد الله والقرآن. وأرسل المأمور في طلب ابن حنبل وابن نوح ليجادلهما فقيّدا وأرسلا إليه، وحينما غادرا الرقة بلغهما خبر موته، وتوفي ابن نوح في الطريق وسجن ابن حنبل.
واستدعاه الخليفة المعتصم بالله في رمضان سنة 219 بتأثير من القاضي المعتزلة أحمد بن أبي دواد، ومثل أمام الخليفة ورفض القول بخلق القرآن فجلد شديد الجلد ثم سجن حوالي سنتين ثم أطلق. ودامت المحنة إلى سنة 234ه إذ أن الخليفة المتوكل على الله أظهر الميل إلى السنة ونصر أهلها ورفع المحنة على العلماء وكتب بذلك إلى الآفاق.
ولما سجن أحمد بن حنبل أرسل إليه الإمام الشافعي هذين البيتين: إنّ الخطب ستنجلي يا أحمد فإذا عجزت عن الخطوب فمن لها؟ فاصبر لها ولعلها ولعلها ولعلّ من عقد الأمور يحلّها فأجابه الإمام أحمد بهذه الأبيات: إنّ الأمور إذا التوت وتعقّدت نزل القضا من السما فحلّها صبّرتني ووعظتني وأنا لها فستنجلي بل لا أقول لعلها ولعلّ من عقد الأمور يحلّها ويحلها ويحلها ويحلّها
ويلخّص ابن خلكان في كتابه «وفيات الأعيان» (ج1 ص64 محنة ابن حنبل بهذه الفقرة: «دعي إلى القول بخلق القرآن أيام المعتصم وكان أميا لا يقرأ ولا يكتب فقال أحمد أنا رجل علمت علما ولم أعلم فيه بهذا فأحضر له الفقهاء والقضاة فناظروه، فلم يجب، فضرب وحبس وهو مصر على الامتناع، وكان ضربه في العشر الأخيرة من رمضان سنة عشرين ومائتين، وكانت مدة حبسه إلى أن خلّي عنه ثمانية وعشرين يوما وبقي إلى أن مات المعتصم فلما ولي الواثق منعه من الخروج من داره إلى أن أخرجه المتوكل وخلع عليه وأكرمه ورفع المحنة في خلق القرآن».
وممّا يروى عن محنته أنه لمّا قدّم للسياط وقف عنده أبو الهيثم العيّار وقال: يا أحمد، أنا فلان اللص، ضربت ثمانية عشر ألف سوط لأقر فما أقررت وأنا أعرف أني على الباطل، فاحذر أن تتقلق وأنت على الحق من حرارة السوط، فكان أحمد كلما أوجعه الضرب تذكر كلام اللص وكان بعد ذلك لم يزل يترحّم عليه. وروى الفضيل بن عياض قال: حبس الإمام أحمد ثمانية وعشرين شهرا وكان فيها يضرب بالسياط إلى أن يغمى عليه، وينخس بالسيف ثم يرمى على الأرض ويداس عليه (انظر مناقبه).