أثار سقوط صقلية آلاما كثيرة للشاعر ابن حمديس الذي وجد نفسه مضطرا للبقاء بعيدا عنها وازدادت آلامه بأسر صديقه ابن عباد في أغمات بعد ان فقد ملكه في إشبيلية كما فقد جاريته بعد غرقها اثناء خروجه من الاندلس. أقام ابن حمديس في أغمات واتصل بقاضي سلا ومدحه لكنه فضل السفر الى المهدية وفي طريقه مدح حاكم بجاية المنصور بن الناصر بن علناس لكن الجانب الأهم من قصائده المدحية خص به تميم وابنه يحي وعلي بن يحي والحسن بن علي وهذه القصائد يمكن اعتبارها وثيقة عن العلاقات بين صقلية والنورمانيةً وشمال افريقيا وكان ابن حمديس في هذه الفترة صوت بلاده التي انتهكها النورمانً.
أقام ابن حمديس طويلا في إفريقية في ظل حكم بني باديس وغيرهم وظل يتنقل بين المهدية وبجاية وبونةً وميورقةً وفقد بصره في اخر أيامه واصبحت العصا ملازمة له ويذكر انه دخل مرة على حاكم بونة كرامة بن منصور فيسأله « كيف حال الشيخ؟ فيجيبه كيف حال من كان صاحب عينين فصارتا غينين فقال له كرامة خذ هذه العصا وتعكز عليها» فمد يده فوجد غلاما باعه بعد ذلك بثلاثين دينارا ومع ذلك فانه لم يشر الى فقدان بصره في شعره.
وتواصل حضوره الشعري قويا في الثمانين رغم فقدانه لبصره فكان يرثي الناس وهو في الحقيقة يرثي نفسه إذ كان يشعر بذبول حياته وبدبيب الموت.
وفي شهر رمضان عام 527 توفي ودفن ببجاية وكان هناك من أشار الى انه دفن في ميورقة بجانب ابن اللبانة لكن الاصح هو انه دفن بميورقة حسب الدكتور إحسان عباس. ولم يعش ابن حمديس في صقلية الا اربعة وعشرون عاما لكن هذه الفترة القصيرة منحته مخيالا جعل من كل شعره صقليا فالجزيرة هي التي شكلت مناخه الشعري رغم ابتعاده عنها وتعلق طيلة ثماني سنوات بأمل استعادة صقلية وهي الفترة التي كتب فيها «الصقليات» وكان يشيد بمقاومة ابن عباد الصقلي وبني حمود في قصريانة وجرجنتً كما كان شعره شهادة على سقوط صقلية فيما بعد.