من يوم لآخر تتضح الحاجة الأكيدة في عدة قطاعات بتونس إلى يد عاملة مختصة وهو ما فشلت فيه الحكومات المتعاقبة إلى حد الآن مما عمق ازمة البطالة. ذكرت تقارير مختصة ان أكثر من 10 قطاعات اقتصادية تشكو اليوم من نقص في توفر اليد العاملة المختصة على غرار البناء والفلاحة واللحام الصحي والصناعات الغذائية والصناعات التقليدية والسياحة وصناعة الملابس والنسيج . كما تشير تقارير أخرى إلى ان النقص لا يشمل فقط اليد العاملة المختصة بل يشمل أيضا اليد العاملة العادية. ومن المفارقات ان تونس التي يعاني شبابها البطالة تحتاج المؤسسات فيها الى اليد العاملة المختصة .وسبق لبعض المستثمرين وأصحاب المصانع (تونسيين وأجانب) أن اطلقوا في السنوات الاخيرة صيحة فزع حول هذا الملف مشيرين إلى أنهم يبذلون مجهودات جبارة يوميا بحثا عن اليد العاملة المختصة لكن مجهوداتهم عادة ما تفشل.
تكوين مهني
من أبرز ما يشدد عليه المستثمرون واصحاب المصانع في هذا المجال عدم التوافق الواضح بين حاجيات المؤسسة من يد عاملة مختصة وبين برامج التكوين الرسمية التي تنتهجها البلاد التونسية رغم كل ما كان يقال من كلام عن منظومة التكوين المهني في تونس خلال عهد النظام السابق.
وهذا ما ساهم في التاثير على مردودية العامل التونسي الذي تدنى بفعل ذلك الى درجة كبيرة .. ويقول المختصون ان مردودية العامل التونسي التي كانت تصل الى 100 بالمائة في بداية التسعينات اصبحت لا تتجاوز 55 بالمائة في السنتين الأخيرتين . ومن اهم الاصلاحات الضرورية اليوم في مجال التكوين المهني حسب المختصين هي المتعلقة بمنظومة التكوين المهني في رأي المختصين وذلك حتى تكون مختلف القطاعات التكوينية متلائمة مع حاجيات التشغيل .
فوزير التشغيل ذكر مؤخرا أن أموالا طائلة أنفقت في التكوين المهني خلال السنوات الاخيرة لكن تم اكتشاف حصول فساد كبير في هذا المجال باعتبار ان المجهودات المبذولة لم تؤد وظيفتها المرجوة منها. ذلك ان 135 مركز تكوين مهني موجودة في تونس حاليا لم تقدم شيئا يذكر في هذا المجال وفق ما يذكره الخبراء والمختصون .. وأشار الوزير إلى ان اصلاح هذا القطاع أمر ضروري حتى يكون بالفعل الطريق المؤدية الى التشغيل وعلى امتصاص أكثر ما يمكن من بطالة في صفوف الشباب من غير الحاملين لشهادة عليا.
اليد العاملة العادية ايضا
فضلا عن نقص اليد العاملة المختصة فان مستثمرين في بعض القطاعات يتذمرون أيضا من غياب اليد العاملة العادية وهو ما يكلفهم خسائر بالملايين . حيث تكاثرت في السنوات الأخيرة التشكيات من عزوف الشبان وأيضا الكهول عن العمل خصوصا في قطاع البناءات والفلاحة وهو ما يسبب تعطيلا في اتمام مشاريع البناء مثلا أو الفلاحة. ويقول احد المستثمرين أن أغلب الشبان والكهول يرفضون اليوم العمل «الشاق» ويعتقدون ان الأجور زهيدة في هذه القطاعات ولا تتماشى مع المجهودات المبذولة لذلك يعزفون عن العمل فيها ويحبذون البطالة. وهو كلام يجب أن يُؤخذ مأخذ الجد من الحكومة حتى تراجع مسألة تأجير اليد العاملة لتشجع الشباب على الاقبال على عدة مهن وحرف مهددة اليوم.
ويدور حديث هذه الأيام في تونس عن اضطرار بعض المستثمرين إلى جلب يد عاملة مختصة في بعض القطاعات من دول افريقية مع توقعات بامكانية استيراد عمال من الصين ومن آسيا وهو ما قد يزيد في تفاقم ازمة البطالة في تونس ولا بد من اجراءات صارمة تحدد كيفية تاجير الاجانب في مجال اليد العاملة المختصة والعادية.
مشكل عالمي
مشكل غياب المهارات واليد العاملة المختصة هو في الواقع مشكل عالمي حيث أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي مؤخرا تقريراً حول مستقبل قطاع الصناعة في العالم الذي تحول إلى ساحة تنافس من الشركات الصناعية لاستقطاب الكفاءات. ويفيد التقرير بوجود عشرة ملايين وظيفة تصنيع شاغرة في العالم لا يمكن سدّها بسبب غياب الكفاءات المؤهلة.
ويأتي هذا النقص على الرغم من ارتفاع مستويات البطالة في العديد من الدول بما فيها المتقدمة فالشركات تسعى بكل ما أوتي من جهد لسد الشغورات في القطاع الصناعي وغيره من القطاعات الأخرى باعتبار أن الاقتصاديات الناشئة لا يمكنها التقدم دون المزيد من اليد العاملة المختصة و المهارات المهنية.