تزامنت الندوة الاحتفالية التي نظمها الاتحاد العام التونسي للشغل بالتعاون مع وزارة الثقافة يوم امس في الذكرى الرابعة لرحيل درويش مع الذكرى الثلاثين لوصول الفلسطينيين الى تونس. مازلت حيا في مكان ما ...هكذا صرخ درويش قبل سنوات ، هذه الصرخة تلقفها قسم التكوين والتثقيف العمالي في الاتحاد العام التونسي للشغل وجعلها عنوان الاحتفالية التي جرت نهار امس بحضور الناقد السوري صبحي حديدي والشاعر الفلسطيني ابراهيم جابر عدد كبير من المثقفين التونسيين الذين لبوا دعوة الاتحاد واحتفوا بدرويش بعد اربع سنوات من رحيله النهائي لكن الرحيل لم يزده الا حياة في قلوب عشاقه وخاصة التونسيين الذين أحبوا درويش وحفظوا قصائده ولم ينسوا دموعه في المسرح البلدي في ماي 1995 عندما ودعت تونسالفلسطينيين الذين جاؤوا اليها بعد ان أغلقت بيروت أمامهم على اثر الاجتياح الصهيوني في شهر جوان 1982 .
محمد المسلمي الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل قال في تقديمه للندوة ان الاتحاد كان دائماً مساندا للقوى التقدمية وللثقافة النيرة وان تونس تحتاج اليوم للاحتفاء بدرويش اكثر من اي وقت مضى لان الاحتفال بدر ويش هو احتفاء بالثقافة الجميلة وبالتنوير لان درويش هو رمز للحرية وفي نفس السياق أيضاً قال المسلمي ان الاتحاد سيمنح جائزة باسمه في المهرجان الدولي للسينمائيين كما سينظم الاتحاد المهرجان الثقافي الاول.
الندوة التي أدارتها رشا التونسي كان موضوعها «الكونية» في شعر درويش وتحدثت رشا عن علاقتها بمحمود درويش التي تعود الى سنوات طويلة وابرزت ملامح درويش الانسان الذي كان له خجل الاطفال وعفويتهمً ، اما الدكتور صبحي حديدي صديقه والمتخصص في الشعر الحديث وخاصة قصيدة النثر وتجربة محمود درويش فأشار الى ان ملتقى قفصة الذي نظم في ربيع 1995 كان بمثابة الولادة النقدية بالنسبة لدرويش الذي كان يتحدث عنه باستمرار رغم انه كان دائم التحفظ في تصريحاته وخاصة في السنوات الاخيرة لانه يدرك ان كل العيون مهتمة بما يقول لتلتقط اي تصريح له.
وقال حديدي انه رافق درويش في مدن كثيرة وحضر أمسياته في مدن الشرق والغرب وانتبه الى ان درويش يولي اهتماما خاصا للقاعة ولتفاعل الجمهور واكد على ان درويش لم يكن يكفيه ان يكون فلسطينيا او صوتا للمقاومة والدفاع عن الفلسطينيين بل ان يكون شاعرا إنسانيا فقد كان مشغولا بتطوير تجربته حتى يكون كونيا وذكر ان درويش منذ مجموعاته الاولى دخل في مواجهة مع الاخر اليهودي خاصة فريتا مثلا التي كتب لها «بين ريتاً وعيونيً بندقية» تبين انها يهودية وكذلك قصيدته «جندي يحلم بالزنابق» التي كانت عن جندي فلسطيني في حرب 1967 ترك الجبهة وهرب من الجيش وقال صبحي حديدي ان الصدفة جمعته في يوم ما في باريس مع هذا الجندي عندما كان رفقة درويش.
وأشار حديدي الى جانب مجهول في حياة درويش وهو خوفه من ان يكون سارقا دون علمه وروى ان درويش سأله في يوم ما عن اهم الشعراء الذين يكتبون باللغة الإنقليزيةً فذكر له شاعرا من المرتنيك وهو أتلوك الذي لم يكن قد حاز آنذاك على جائزة نوبل، قرأ درويش اعمال أتلوك كاملة فتلبسه واضطر الى الانقطاع عن الكتابة لمدة ستة اشهر خوفا من التناص لكن حديدي اقنعه بان قصيدته «تلك صورته وهذا انتحار العاشق» التي صدرت سنة 1972 توجد قصيدة تشبهها في اعمال شاعر المرتنيك الذي لم يقرأ درويش طبعا في دلالة على كونية القيم وإنسانية الشعر. وكانت المداخلة الثانية للشاعر والجامعي فتحي النصري الذي أبحر في مدونة درويش بحثا عن ملامح الكونية في شعره.
الموسيقى
كان محمود درويش مهووسا بالموسيقى وقد حفل شعره بالإيقاع وباستحضار الآلات الموسيقية لذلك اختارت هيئة الاحتفالية تنظيم سهرة شعرية موسيقية في اكروبليوم قرطاج يشارك فيها نوال بن صالح وجمال قلة وسامي بن سعيد ومراد جاد ولينا عليبان ولبنى نعمان ومهدي شقرون والشعراء الفلسطيني ابراهيم جابر وفاطمة بن فضيلة وريم السلامي.
بهذه الاحتفالية يكون الاتحاد العام التونسي للشغل قد اكد مرة اخرى على انتصاره للثقافة ببعدها الإنساني عبر الدفاع عن قيم الحرية والإبداع والحداثة كما قال محمد المسلمي ويذكر ان هذه الاحتفالية نسقها «دينمو» الاتحاد فتحي الدبك المناضل النقابي المعروف منذ الثمانينات واحد قدماء الحركة الطلابية.