عديدة هي الدلالات التي تحتضنها الدعوة القطرية إلى التدخل العسكري العربي في سوريا تحت عنوان حقن الدماء السورية وإسقاط النظام السوري , لعل أهمها على الإطلاق سيطرة الخيار العسكري على عقول أصحاب المبادرة وأذهان من أيدها أيضا في قاهرة المعز وتونس الخضراء وتمسكهم بطرح أحادي للأزمة السورية يقوم على إسقاط النظام السوري تمهيدا لإدخال دمشق في شبكة تحالفات سياسية واستراتيجية جديدة تقوم أساسا على إخراج سوريا من محور المقاومة . الإشكال في الطرح القطري أنه لا يضيف شيئا عن الواقع العسكري في سوريا إلا إضفاء «شرعنة عربية» للمشهد الأمني في الشام. فمن ينكر وجود تدخل عسكري قطري خليجي في سوريا عبر دفع الرواتب بالدولار للضباط المنشقين من الجيش العربي السوري ..؟ ومن بإمكانه ايضا أن يغض الطرف عن عمليات تسليح المجموعات المقاتلة في سوريا بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والإشراف على تدريب المقاتلين الجدد على حرب العصابات إضافة إلى تزويدها بمضادات للطائرات..؟ وهي كلها وقائع تقودها دول عربية . ومن يستطيع أن يشكك في أن عمليات التفجير التي طالت المقرات الأمنية العليا والتي أودت إحداها بحياة أربعة من كبار الضباط السوريين , نظمتها أجهزة مخابرات خليجية بالتعاون مع أجهزة مخابرات غربية , إن لم تكن صهيونية؟
المفارقة في هذا المفصل السياسي أن ذات الدولة التي تحرّض طائفيا وسياسيا وعسكريا واقتصاديا واستراتيجيا على دمشق والتي تحرص على استمرار مسلسل القتل والاقتتال في الشام . هي ذاتها التي تشكو من تواصل نزيف الدماء السورية وهي ذاتها التي تبكي من انسداد الأفق السياسي للأزمة السورية.
كنا سنسعد بالقرار ولا نقول اقتراح القطري لو أنه جاء مساعدا على تشييد السلام في البلاد قبل الدعوة إلى إرسال قوات تحفظ سلاما غير موجود أو بالأحرى تحرص الدوحة على إعدامه. كنا سنزكي القرار لو أنه جاء للمحافظة على حرمة الفلسطينيين وأعراضهم في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية من اعتداءات الصهاينة .. كنا سنصفق لهذا القرار لو أنه جاء للحيلولة دون الاعتداءات الصهيونية على الحجر والبشر والشجر في المناطق المحتلة في جنوب لبنان أو الجولان المحتل.
كنا سنرحب بهذا القرار لو أنه جاء للجم الاحتلال الامريكي للعراق وتدخلات واشنطن المهينة في اليمن والصومال وحتى أفغانستان.
المفارقة الثانية في هذا «الاقتراح الإملاء» أنه جاء من دولة شاركت لوجستيا وعسكريا في قصف العراق واحتلاله وضرب سلمه ...وفي قصف ليبيا واستباحتها وإدخالها في أتون حرب أهلية .. وفي مقابل هذا شاركت في قوات درع الجزيرة لإجهاض ثورة البحرين وانتفاضة البحارنة.
الإشكال المؤرق في مشهدنا العربي المتأزم أن بعض مسؤولي بلدان الربيع العربي من بينهم المنصف المرزوقي يدافعون عن الموقف القطري ويسوقون له في المحافل الدولية وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة .. وقد نسوا أو نظنهم تناسوا أن في جغرافيا العرب قواعد عسكرية أمريكية ضخمة تضم عشرات الآلاف من القوات الخاصة الامريكية وقوات البحرية الأمريكية يستوجب كنسها ويقتضي طردها بقوات حفظ السلام العربية ..» وبغيرها أيضا ..