لم تستغل المنظمات الحقوقية والجمعيات المعنية بقضية المرأة في تونس حادثة اغتصاب الفتاة من قبل عوني أمن لفتح ملف العنف المسلط ضد المرأة بشكل جدي مع أن الأرقام المتوفرة توحي بأن مأساة تحاك خيوطها في الخفاء ضحيتها آلاف النساء. آخر دراسة قامت بها منظمة حكومية تونسية وهي الديوان الوطني للأسرة كشفت أن 47 ٪ من النساء في تونس كنّ عرضة للعنف على الأقل مرة واحدة طيلة حياتهن.
الدراسة شملت عينة متكونة من أكثر من 5000 امرأة يمثلن كافة شرائح المجتمع التونسي وقسمت العنف الى خمسة أنواع : عنف عائلي وعنف زوجي وعنف اجتماعي وعنف جنسي وعنف عنصري أو إداري.
وإن نجحت الآلة الدعائية للنظام السابق في الترويج لمرأة تونسية حققت عديد المكاسب القانونية والاجتماعية والعلمية تضمن لها المساواة مع الرجل فإن المجتمع التونسي بقي في الحقيقة وفي جزء كبير منه مجتمعا تقليديا يجعل من «المرأة كائنا خاضعا بشكل مستمر للسيطرة الذكورية وسلطة المجتمع والتقاليد والأعراف التي كرست دونية المرأة وتساهم في إذلالها» ورغم حصول المرأة التونسية على درجات عالية في الميدان العلمي والثقافي والعملي إلا أنها تظل في نظر المجتمع «مجرد قاصر وعديمة الأهلية» ولازال جزء كبير من المجتمع يعتقد أن المرأة غير قادرة على تقرير مصير حياتها ويموقعها جنسيا واجتماعيا ككائن خلق فقط للزواج والمتعة والإنجاب وخدمة الأسرة وبعد الثورة ظهرت تنظيرات خطيرة تؤمن بضرورة تأديب المرأة باعتبارها ضلعا أعوج يحتاج إلى «التقويم الدائم» بل يدعو إلى ضرورة التدخل البيولوجي لمنعها من بث الفتنة في المجتمع وذلك بالحدّ من نشاطها الجنسي ببتر جزء كبير من عضوها التناسيلي.
وعلى خطورة هذه التنظيرات فإن المجتمع لم يتحرك بالشكل الكافي والحاسم لقطع الطريق أمام الأخطار المحدقة بالمرأة رغم أنه مجتمع يعتقد الجميع اكتسب مناعة ضد مثل هذه المعتقدات باعتبار وجود مجلة المرأة وخاصة ما تربى عليه طيلة عقود من ثقافة تدعو إلى حرية المرأة ومساواتها بالرجل لكن الإنهيار الخطير ببعض مؤسسات الدولة بعد 14 جانفي 2011 أبرز بما لا يدع مجالا للشك أن تلك الثقافة لم تتجاوز الشكل لذلك وبمجرد التشكيك فيها انهارت وفتحت الباب على مصراعيه لبعض التنظيرات لإعادة صياغة موقف آخر من قضية المرأة.
ورغم الجهود المبذولة من طرف علماء النفس والاجتماع والجمعيات النسائية والإعلاميين لحماية المرأة التونسية بعد الثورة واستئصال عادة إهدار كرامتها وعدم إذلالها فإن أشكال العنف المسلط عليها بدأت تأخذ أبعادا خطيرة ابتداء من القتل والشروع في القتل وإلحاق الأذى بجسدها والاغتصاب سواء كان من الغرباء أو من قبل أفراد الأسرة وحتى من أعوان الأمن كما أصبحت المرأة عرضة للشائعات والتهديد وتوجيه الإهانات والاحتيال والإقصاء الوظيفي والتحرش في مكان العمل وفي الشارع وكأن ببعض الرجال في تونس يحاولون إعادة الاعتبار إلى «ذكورتهم» التي خصاها المشرع بسنه لمجلة الأحوال الشخصية ويرون في الفوضى المؤسساتية التي شهدتها البلاد فرصة تاريخية للتعويض عن عقود من الزمن أجبروا خلالها على عدم «الإضرار بالمرأة» حسب ما يذهب إليه علماء النفس في تونس في تقديرهم للتراجع الخطير في اعتبار المرأة من طرف الرجل واحترامه لها.
هذا الرأي عكسته الدراسات الأخيرة التي قام بها الديوان الوطني للأسرة التي أشارت إلى تفاقم ظاهرة العنف ضد المرأة في مرحلة ما بعد الثورة سواء في الفضاء العام أو الخاص ورغم التعتيم على ما تتعرض له المرأة داخل العائلة من إذلال وقمع وإهانات فإن بعض الشهادات جاءت لتؤكد أن عديد الفتيات وحتى الأمهات أجبرن على ارتداء الحجاب من طرف الآباء أو الاخوة الذكور رغم عدم رغبتهن في ذلك.
كما أجبرت عديد الزوجات على القبول بمبدإ الزوجة الثانية رغم الموانع القانونية والاجتماعية وكانت دراسة علمية قام بها مختصون جامعيون أن ظاهرة الاغتصاب بين الأزواج هي ظاهرة متفشية ومسكوت عنها حيث تقول الأرقام ان 78 ٪ من الزوجات تعرض للاغتصاب أو الإجبار على ممارسة الجنس مع أزواجهن رغم عدم رغبتهن في ذلك.
ويعتبر بعض الأزواج أن على نسائهن تلبية رغباتهم الجنسية متى أرادوا وهي سلوكات مدمرة لنفسية المرأة وتشكل خطرا على استقرار الأسرة بأكملها. لكن الأخطر من كل ذلك هو ما تتعرض له المرأة من فظاعات على يد الأصول من الذكور وهي جرائم جنسية تستهدف الإناث الأطفال والشقيقات وحتى زوجات الأخ على يد الآباء والإخوة والأجداد ولا تصل إلا نادرا أمام المحاكم لسعي العائلات إلى درء الفضيحة وعلى المستوى الزوجي أشارت الدراسة أن 62 ٪ من الزوجات تعرضن ولمرة واحدة طيلة حياتهن الزوجية إلى التعنيف من قبل أزواجهم في حين تذهب موارد 23 ٪ من الزوجات الى القرين دون أن تتمكن الزوجة من التصرف بحرية في ما تتحصل من أجر، كما يعيش أكثر من 10 ٪ من الأزواج التونسيين عالة على نسائهن خلافا لما يقرّه القانون من ضرورة إعالة الزوج لزوجته وفي الفضاء العام تتعرض المرأة يوميا إلى المضايقات بداية من العنف اللفظي إلى الملامسة داخل وسائل النقل والتحرش من طرف رؤسائهن في العمل إلا أن العنف الأبشع هو ذلك المتصل بالاغتصاب وتحويل الوجهة الذي عادة ما يكون حاسما في تحديد حياة الأنثى بشكل عام وفي علاقة بالعنف الإداري فقد جاءت الشهائد لتؤكد أن المرأة ضحية للتمييز عند حصولها على وظيفة أو عند الارتقاء في السلم المهني وعادة ما يتوقف ذلك على مدى استعدادها في تقديم تنازلات لصاحب العمل أو لرئيسها المباشر.
إن العنف المسلط على المرأة قد يكون حاسما في تحديد طبيعة المجتمع التونسي في المرحلة القادمة بحسب قدرة نفس هذا المجتمع على إيقافه أو السكوت عنه ومن ثمة اختيار المشروع المجتمعي الذي نريد.