اعتبر حمة الهمامي أن تونس مرشحة لحصول «طور ثان من الثورة» سيكون ذا بعد اجتماعي سيكرّسُ «رغبة غالبية الشعب التونسي» في التخلص من القاعدة الاقتصادية والاجتماعية للدكتاتورية لوضع أسس نظام اقتصادي جديد وطني يلبي حاجيات الشعب. ونفى الهمامي في حديث مع «الشروق» ما يروج عن وجود نقاشات بين مكونات هيئة 18 أكتوبر مشيرا إلى أنها محاولات للتشويش على الجبهة الشعبية كما أكد انه لا مجال لعودتها ومن المستحيل أن يلتقي حزب العمال مع حركة النهضة ثانية، وفي ما يلي نص الحوار: هل هناك خلاف حول تغيير تسمية حزب العمال؟
لا وجود لأي خلاف المسألة نوقشت مليا وحسمت بأغلبية كبيرة من أعضاء الحزب وحتى من كان مترددا فقد قبل نتيجة الحسم الديمقراطي خصوصا وان المسألة لا تتجاوز تغيير اسم الحزب دون المساس بمبادئه وخطه السياسي وبرنامجه. يرى البعض أن هذا التغيير جاء لتمكينك من الترشح لقيادة الجبهة الشعبية؟
لا علاقة لتغيير الاسم بموضوع الجبهة فالمسألة بدأت تطرح منذ سنة 2004 وتم طرحه بعد إسقاط بن علي أي قبل الحصول على التأشيرة وجاء المؤتمر في جويلية 2011 ولم يحسمها فعهد بها إلى المجلس الوطني للحزب وقضية التغيير هذه لم تطرح الا من زاوية تسهيل الاتصال بأوسع ما أمكن من الناس وخاصة في الأوساط الشعبية والفقيرة التي لها أفكار مسبقة وخاطئة عن الشيوعيين.
ان تغيير الاسم يسهل التركيز على برنامج الحزب ومقترحاته للنهوض بتونس وشعبها والابتعاد عن المهاترات العقائدية التي تحاول عديد الأطراف زج الشعب فيها. تراجع مؤخرا عدد من الأطراف السياسية عن مقولة انه حصلت ثورة في تونس ومن أبرزهم محمد الكيلاني فهل ما زلتم ترون أن ما حصل هو ثورة؟ هذا ليس صحيح ، فما حصل هو ثورة بأسبابه أولا (الفقر التهميش الاستبداد) وبأهدافه ثانيا إذ أن الشعب التونسي المنتفض او الثائر استهدف رأس النظام القائم من اجل تغييره وقد تجلى ذلك في شعار «الشعب يريد اسقاط النظام» كما تجلى أيضا في رفضه لما عرضه بن علي ليلة 13 جانفي من إصلاحات.
اما ان تكون النتائج دون المأمول وأن تحاول أطراف داخلية وخارجية الالتفاف على الثورة وإجهاضها فذلك لا ينفي ان يكون ما حصل ثورة فكم من ثورة جدت في التاريخ الحديث وفشلت مثلا فرنسا 1830 وألمانيا 1848 وروسيا 1905 مع العلم ان الأمور مازالت لم تحسم في تونس نهائيا فالمسار الثوري متواصل والمستقبل مفتوح على أكثر من احتمال بما في ذلك نشأة موازين قوى جديدة سانحة لتحقيق أهداف الثورة أي لتحقيق تغيير سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي جذري. هل سقط النظام؟
هذا هو الإشكال لقد سقط رمز النظام الاستبدادي والفاسد والعميل كما سقطت بعض مؤسساته وافتك الشعب حريته ولكن النظام لم يسقط فأجهزة الدولة الأساسية كانت ولا تزال بيد القوى الرجعية كما ان القاعدة الاقتصادية والاجتماعية للدكتاتورية لم تتغير فثروات البلاد لازالت بيد أقلية محلية وأجنبية والشعب الذي ثار لم تتغير أوضاعه. هنا لابد من ملاحظة أنّ الترويكا الحاكمة حاليا لم تعمل ولا نخالها ستعمل على تحقيق أهداف الثورة بالنظر إلى طبيعتها الاجتماعية الرجعية فهي تحاول بقيادة حركة النهضة وضع يدها على مفاصل الدولة لاستخدامها لتثبيت سلطتها وقيادة التحالف الرجعي القديم وهو ما يفسر استمرار الغليان الشعبي والاجتماعي فعلاقة الترويكا اليوم متوترة بكل الفئات الاجتماعية والشعبية.
الأمثلة التي استشهدتم بها حول الثورات الفاشلة تلتها كلها ثورات ناجحة، فما الذي تتوقعونه لتونس؟ ان المعطيات الواقعية اليوم تشير إلى أن المسار الثوري لم ينتهي فالشعب لم يستسلم لا لحكومة الغنوشي ولا لحكومة السبسي ولا لحكومة الترويكا بل هو يواصل النضال بكل جرأة من اجل تحقيق مطالبه وطموحاته وما نتوقعه هو إمكانية حصول طور ثان من الثورة التونسية وهذا الطور سيكون له بعد اجتماعي أي سيكرس رغبة غالبية الشعب التونسي في التخلص من القاعدة الاقتصادية والاجتماعية للدكتاتورية لوضع أسس نظام اقتصادي جديد وطني يلبي حاجيات الشعب. سمعنا عن وجود نقاشات بين مكونات هيئة 18 اكتوبر، فهل يمكن ان تعيد هاته النقاشات ان وجدت التحالف بينكم وبين النهضة؟
تجربة 18 أكتوبر انتهت بسقوط بن علي لقد كانت التقاء تكتيكيا لمواجهة الاستبداد وما ان سقط بن علي حتى تغيرت المعطيات فما الذي يربطنا اليوم بالنهضة مثلا وهي تؤسس لدكتاتورية جديدة وهي ترفض إصلاح القضاء والأمن والإدارة وتضع يدها على الإعلام وتبيع ثروات البلاد وتفقر الطبقات والفئات الشعبية وتمعن في تهميش المناطق المحرومة وتمارس القمع بلا هوادة ضد جماهير الشعب وتمد يدها لرموز الإسلام الأطلسي في الشرق الأوسط أي تركيا والسعودية وقطر وتهدد ما افتكه التونسيون من حرية بل يزرع بعض زعمائها الفتنة في صفوف الشعب على اساس عقائدي.
تجربة 18 أكتوبر انتهت بانتهاء الظروف التي ولدتها وحتمتها وإذا كانت هناك تحالفات مطروحة اليوم وهو ما نعمل من أجله مع القوى الثورية والديمقراطية والتقدمية ضد حكم الترويكا وبعبارة أخرى فان ما يروج من وقت إلى آخر من أكاذيب حول مشاورات مزعومة بين حزب العمال وحركة النهضة او الترويكا عار عن الصحة والهدف منه التشويش على الجبهة الشعبية.
كيف نقرأ لقاءاتك العديدة مع رئيس الجمهورية فهل هي بوابة الحوار مع الترويكا ام مع حزب المؤتمر؟ المقابلات مع رئيس الدولة لا تعكس علاقة بالترويكا عامة او بحزب المؤتمر خاصة ولكنها جرت دائما في اطار مؤسساتي وحول قضايا محددة مثارة في الساحة وقد عبرنا في كل اللقاءات عن مواقفنا بشكل واضح وصريح لا يقبل اللبس أو التأويل أي اننا عبرنا دائما عن نقدنا ومعارضتنا لسياسة الترويكا في كل المجالات. سمعنا كثيرا مؤخرا عن مشاورات لإجراء تعديل حكومي فهل انتم طرف فيها؟
لسنا طرفا في ما يروج من كلام حول مشاورات محتملة في الوقت الراهن لتعديل الحكومة هذا من جهة ومن جهة أخرى فموقفنا وموقف الجبهة الشعبية واضح فوقع الأزمة التي تتخبط فيها البلاد أبعد من أن يحتمل «تكبير اللمة وتوسيع توزيع الكراسي» لإرضاء هذا الطرف او ذاك وتوريطه في مسؤولية فشل الحكومة. الواقع يقتضي توجها جديدا للحكم في كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتحقيق أهداف الثورة كما يقتضي خطة مباشرة لحسم مسألة الفترة الانتقالية وقد قدمنا في هذا الإطار مقترحاتنا التي هي أوسع من أن تنحصر في مجرد تقديم هذه لانجاز الانتخابات بل تتجاوزها إلى معالجة قضايا إصلاح الأجهزة والواقع المعيشي للشعب وكيفية التصرف في خيرات البلاد.
سمعنا عن صراع بينك وبين شكري بلعيد على رئاسة الجبهة فما حقيقة هذا الأمر؟ لا وجود لمثل هذا الصّراع مطلقا، بل هو من نسج خيال خصوم «الجبهة» وأعدائها. حزب العمال وحزب الوطد الموّحد على اتفاق تام في كل ما يخصّ «الجبهة» وهما يبذلان أقصى مجهوداتهما لإنجاحها.
كيف تقرأ التجاذبات الحاصلة بين نداء تونس والنهضة؟ وما التطورات التي تتوقعونها في هذا الصدد؟ فعلا ثمّة تجاذبات بين «حركة النهضة» و«نداء تونس»، ولكنّ هذه التجاذبات، ليست لها أسس مبدئية بل هي لا تعكس اختلافات جوهرية في التوجهات والأهداف، بقدر ما هي مرتبطة بصراعات انتخابية. فهل أنّ «حركة النهضة» التي تهاجم «نداء تونس» على أنّه يريد «إعادة انتاج النظام السابق» و«يعادي الثورة»، هي بصدد تكريس اختيارات ديمقراطية وشعبية ووطنية؟ هل هي تحمي حرية الإعلام؟ وهل هي تريد استقلالية القضاء؟ وحياد الإدارة؟ وإصلاح الأجهزة الأمنية؟ وهل هي غيرت شيئا من الواقع الاقتصادي والاجتماعي؟ وهل فكت ارتباط بلادنا بالدوائر الاستعمارية؟ وهل أنّ ممارساتها في علاقة بجماهير الشعب وبالعمال والكادحين والمعطلين عن العمل والمثقفين والمبدعين والنساء والشباب الطلابي تختلف عن ممارسات نظام بن علي القمعية؟ بالطبع لا. إنّ «حركة النهضة» تحافظ على النظام القديم وتضع يديها على مفاصل الدولة لاستعمالها لتركيز سلطتها والالتفاف على الثورة.
هل يمكن ان ينجح اي حوار وطني في ظل هذه التجاذبات خاصة بعد التصريحات الأخيرة لراشد الغنوشي؟ ثمّة تصريحات وتصريحات مضادة بصدد هذه المسألة من داخل «النهضة» ذاتها. ولكنني لا أعتقد في إمكانية نجاح هذا الحوار الوطني على الشاكلة التي يطرح بها. فماذا سيكون محوره؟ وأهدافه؟ وما علاقته بمطالب الشعب وطموحاته؟.
ألا تخشون ان يكون الحوار الوطني الذي دعت إليه أطراف عدة من بينها مكونات الترويكا وسيلة لامتصاص الاحتقان؟ فعلا «الحوار الوطني» المطروح يهدف إلى امتصاص الاحتقان أكثر من أي شيء آخر لأنّ الترويكا لا تريد الاعتراف بوجود أزمة حقيقية ولا هي تملك الحلول الجدية لمعالجتها. البلاد في حاجة إلى توجهات أخرى غير التوجه الذي يكرس اليوم. كما أنّها في حاجة إلى حكومة قادرة على تكريس مثل تلك التوجهات التي تستجيب لحاجات الشعب.
من هو حمة الهمامي ؟ حمة الهمامي (ولد في 8 جانفي 1952 في العروسة بولاية سليانة) سياسي شيوعي تونسي والناطق الرسمي باسم حزب العمال الشيوعي التونسي «حزب العمال حاليا بعد حذف كلمتي شيوعي وتونسي». حاصل على الأستاذية في الآداب بدأ نشاطه السياسي سنة 1970 في الحركة الطلابية واعتقل لاول مرة سنة 1972 على اثر مشاركته في احداث ما يعرف بالسبت الاسود ونشاطه في الاتحاد العام لطلبة تونس. التحق عام 73 بمنظمة آفاق العامل التونسي الماركسية اللينينية وبسببها حكم عليه بالسجن 8 سنوات ونصف قضى منها 6 سنوات . ساهم بعدها في سنة 1986 في تأسيس حزب العمال الشيوعي التونسي وعين ناطقا رسميا باسمه ، ورفض سنة 1988 التوقيع على الميثاق الوطني الذي قدمه الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي اثر توليه الحكم. اعتقل حمة الهمامي وحوكم العديد من المرات آخرها سنة 2002 وقضى في المجموع أكثر من 10 سنوات في السجن وأكثر من 10 سنوات أيضا في الحياة السرية. ساهم عام 2005 في تأسيس هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات التي تضم يساريين وإسلاميين ولبراليين وقوميين وحقوقيين.