اليوم، يمضي ممثّلو الطبقة السياسيّة والمجتمع المدني والمجتمع المدنيّ إلى مؤتمر للحوار الوطني دعا إليه «الاتّحاد العام التونسيّ للشغل»، وتغيّب عنه مكوّنان من «الترويكا» الحاكمة هما حركة «النهضة» وحزب «المؤتمر من أجل الجمهوريّة». وكانت مبادرة «الاتّحاد» قد لقيت ترحابا شبه كامل من كافّة الفعاليّات السياسيّة والمدنيّة في السلطة والمعارضة والمجتمع المدنيّ. ومنذ طرح «الاتّحاد» مبادرته، مرّت ردود الفعل عليها من قبل «الترويكا» الحاكمة بين قَبول لدى حزب «التكتّل» وبين قبول يشوبه الحذر والتردّد عند كلّ مواجهة مطلبيّة بين النقابيّين وبين الحكومة لدى الشريكيْن الآخريْن. ولكن لوحظ أنّ الحكومة وبخاصّة حركة «النهضة» قد عادت في الفترة الأخيرة بخطاب جديد يثمّن دور «الاتّحاد» النقابيّ والوطنيّ، وب«رغبة» في طيّ الصفحة بعد الحملات العنيفة والتحريضيّة ضد «الاتّحاد» ومقارّه على خلفيّة إضراب عمّال البلديّات. ثمّ تدعّم هذا الاتّجاه نحو التوافق والمرونة مع تزايد الأصوات المحذّرة من مغبّة أنْ يدهم الجميعَ يوم 23 أكتوبر القادم دون حوار وطنيّ ولا توافق ولا خارطة طريق. وإثر عودة رئيس الحكومة المؤقّت حمّادي الجبالي من بلجيكا، زادت هذه النزعة وهذا الاتّجاه في خطابات أعضاء الحكومة وفي حرصهم على إطلاق رسائل إيجابيّة تجاه «الاتّحاد» الرقم الصعب في المعادلة الاجتماعيّة والسياسيّة في البلاد. كان من الواضح أنّ السيّد الجبالي قد عاد محمّلا بحزمة من المطالب والتحذيرات من الهيئات الدوليّة الماليّة والسياسيّة من أجل التجويد في نسق الأداء الحكوميّ، ومن أجل تعديله باتّجاه الانفتاح على شركاء الوطن قصد تصحيح المسار الانتقاليّ والخروج بخارطة طريق واضحة عن المواعيد الوطنيّة المقبلة (كتابة الدستور، اقتراح تواريخ واضحة للاستحقاقات السياسية في المرحلة القادمة..).
فجأة، تغيّر كلّ شيء بُعيد الفيديو الذي تسرّب عن لقاء السيّد راشد الغنّوشي ببعض السلفيّين، والذي انكشف فيه نوع من التماهي بين مشروع النهضة ومشروع الغلاة من السلفيّين في الأهداف مع اختلاف في التكتيك، وبان أنّ المطروح الآن هو الاستمرار في سياسة الانقلاب الصامت على أجهزة الدولة (الأمن والجيش على وجه الخصوص) من أجل التمكّن من السيطرة عليها كلّية في وقت قادم، ومن ثمّة التمكين لمشروع «الإخوة في اللّه» !
ما أن انكشف الغطاء عن هذه الاعترافات الصادمة للبعض والمعلومة لدى البعض الآخر حتّى تعالت أصوات التنديد والإنكار والرفض من الداخل والخارج وصلت بعدد من خبراء القانون الدستوري (مثل عياض بن عاشور) ونوّاب من المجلس التأسيسي حدّ طلب حلّ حزب «النهضة» الذي خالف –حسب رأيهم - قانون الأحزاب بانقلاب تصريحات قيادته على مدنيّة الدولة والنظام الجمهوريّ ومبدإ التداول على السلطة.
تخلّفُ حركة «النهضة» عن مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا إليه «الاتّحاد» وثمّنته في وقت سابق، أرجعته بعض قيادات الحركة إلى أنّ شروط هذا الحوار لم تكتمل بعد، وهم يقصدون مشاركة حركة «نداء تونس» في هذا الحوار، ويلوّحون، أيضا، بالاحتجاج على تصريحات مزعومة نسبت إلى بعض قيادات «الاتّحاد» يوافق فيها على المطالب المرفوعة بحلّ الحركة. وللعلم، فقط، فقد نفى بلقاسم العيّاري الأمين العام المساعد للاتّحاد و«المتّهم» بهذه الدعوى أن يكون قد صرّح بما يفيد هذا المطلب نفيا مطلقا !
وقبل هذا الرفض الموارب والمفاجئ، استبقت «الترويكا» مبادرة «الاتحاد» بوثيقة نُشِرت على عجل نهايةَ الأسبوع الجاري لتوضيح مقترحات الحكومة بخصوص المواعيد القادمة للمرحلة الانتقاليّة. مبادرة «الترويكا» هذه عدّها الكثيرون محاولة من «النهضة» و«المؤتمر» لإجهاض مبادرة 16 أكتوبر أو على الأقلّ لإفراغ مبادرة «الاتّحاد» من محتواها الديناميكيّ والتوافقيّ، واعتبروا أنّه كان من الأسلم –إنْ صدقت النوايا – لو تمّ عرضُها على النقاش الوطني اليوم، فضلا عن كونها تجنّبت الخوض في الإشكاليّات الخلافيّة التي كانت مدار مبادرة «الاتّحاد» على قاعدة من المبادئ والتوافقات الوطنيّة. هذه المبادئ والتوافقات التي تضمّنتها مبادرة «الاتّحاد العام التونسي للشغل» مثّلت فرصة لإعلان «عهد أمان» جديد عناوينه الكبرى: تحقيق الوحدة الوطنيّة وحماية الانتقال الديمقراطيّ والإدارة الجماعيّة للمرحلة القادمة. [email protected]