تكثّفت في المدة الأخير عبارات الثلب والسباب والتجريح في خطابات وتصريحات مختلف الأطراف السياسية ولم يكن غريبا ان تنتقل تلك العبارات إلى وقائع في الشارع وبين الناس مثلما حدث في تطاوين ومن قبلها في العديد من جهات البلاد. يظلّ الخطاب السياسي ، خاصة المتوتر منه، المحرار والبوصلة التي يسير الناس على هديها تهدئة وتعايشا سلميا أو تنافرا وصراعا وعنفا ، إذ كلما غاب خطاب العقل والحكمة كلما انحدرت الوقائع إلى الأسوإ واقتربت من مناطق الخطر.
منذ فترة والأطراف السياسية في السلطة والمعارضة تستفز مشاعر الناس التواقة إلى السكينة والهدوء والبحث عن الطمأنينة، وعجت خطاباتها بالألفاظ الرديئة والمشينة من شيطنة ودعوة إلى الإقصاء والعزل وتهديد بالاستئصال والاجتثاث وصولا إلى التآمر وحبك السيناريوهات المرعبة والمفزعة أو التلويح بها من مثل التشكيك في مسار الانتقال الديمقراطي أو المس من هيبة مؤسسات الدولة ورموزها أو تخوين المعارض وصاحب الرأي المخالف او التذكير بمسارات لتجارب أخرى في العالم وفي دول الجوار أساسا.
إنّ السياسيين، ومهما نددوا بالعنف وتبرؤوا منه فإنهم ولمّا يذهبوا بعيدا في الصراع المحموم على السلطة يكونون هم أصل الداء وهم المتسببون الرئيسيون في حدوث المآسي والفتن وانجرار المواطنين إلى الكراهية والأحقاد ومظاهر العنف المتبادلة.
ومن المهم في مثل هذه اللحظات أن يتوقف السياسيون لينظروا إلى حقيقة الواقع كيف هو وليُعدّلوا خطاباتهم ويصلحوا أخطاءهم ويعملوا على نزع فتيل الفتنة قبل أن تندلع المزيد من الحرائق لا قدر الله.
بعد الذي حدث ، لا خيار أمام الفاعلين السياسيين إلا السعي إلى تدارك مناهج عملهم وتطهير خطاباتهم من عبارات التوتير والاستفزاز والتصعيد لان المواصلة على نفس النهج وبنفس الخطاب لن تؤدي إلا إلى الأسوإ والأخطر، ولقد علمتنا تجارب الآخرين أنّ العنف أعمى وان استشرى فهو يأتي على الأخضر واليابس وأنّ من أولى ضحاياه هم النخب والمثقفون والساسة.
قوّة السياسي ليست في تجييش المشاعر والدفع نحو المجهول بل في القدرة على إعطاء المثل في تعزيز الوفاق الوطني والنموذج في النظر إلى المستقبل والمساهمة في بناء أحلام الناس وتجسيد تطلعاتهم في الكرامة والحرية والديمقراطية.
إن قوة السياسي ، في السلطة أو في المعارضة، تكمُن أيضاً في تحمّل المسؤوليّة الوطنيّة والقدرة على تعديل الأوتار وتصويب الأخطاء وتجسير الهوة مع الأخر المخالف والمشاركة البناءة في توسيع أفق الأمل لدى الناس لا العكس.
في اللحظات التاريخيّة ما يهمّ هو الموقف الوطني، وأمام السياسيين اليوم بمناسبة 23 أكتوبر فرصة للتعبير عن ذلك الموقف الوطني المنتصر للديمقراطيّة والتعدديّة والإيمان بالآخر بعيدا عن الجبّة الحزبيّة التي تبقى مهما اتّسعت أحلامها عاجزة عن استيعاب منطق اللحظة التاريخيّة ورهانها المصيري.