انطلقت منذ فترة الفرقة التمثيلية للإذاعة الوطنية في تسجيل مسلسل إذاعي جديد للكاتب علي دبّ وإخراج الممثل الاذاعي والتلفزيوني أنور العياشي. ويحمل المسلسل عنوان «الهطّايا» ويعني العمال الموسميين المختصين في الحصاد، حيث كانوا يقبلون من الجنوب والوسط التونسيين في اتجاه الشمال الغربي في سنين القحط والجدب للقيام بأعمال الحصاد بمقابل.
وحول «الهطّايا» يقول الأديب علي دبّ إن آخر موسم قضاه هؤلاء «الهطّايا» قضوه في جهات الشمال الغربي كان عام 1948، ويضيف قائلا «هؤلاء العمال يأتون بحيواناتهم وأطفالهم ونسائهم يحصدون بالعُشُر في اليوم ويسمّنون مواشيهم ثم يعودون من حيث جاؤوا بما تحصّلوا عليه من قمح وشعير، وفي طريق العودة كما في طرق الذهاب لا يسلمون من قطّاع الطرق لذلك يأتون جماعات ومن عائلات متقاربة لحماية أنفسهم والتأنّس ببعضهم البعض.
قصة حبّ محورية
وأشار الكاتب علي دبّ أن هذا المسلسل الاذاعي جاء في ثلاثين حلقة ويتضمّن قصة حب محورية من خلال تعلّق أحد أبناء الفلاحين الكبار بفتاة من «الهطّايا» خطبها وهو يظنّ أن الأمر ميسور غير أن التقاليد البدوية تمنع خروج البنت عن القبيلة والعشيرة، للك قطع أبوها هذه الهجرة المؤقتة وعاد بابنته الى موطنه بالجنوب التونسي، لكن ذلك العاشق الذي يجهل تقاليد البادية اختار الالتحاق بها في موطنها وعندما التقى بها خيّرها بين أن يزور أهلها لخطبتها أو تهرب معه ولأنها تعلم أن وجود هذا الفتى بينهم يعني قتله اختارت الفرار معه رغبة في حقن الدماء.
وما عدا هذا المحور الأساسي والكلام للمؤلف علي دبّ هناك تقاليد وثقافات بين المهاجرين والمستوطنين وهناك مناخات مفرحة وأخرى محزنة وهناك جوّ الحصاد والموسم الخصب دون إغفال للخلفية التاريخية والسياسية لفترة الثلاثينيات في تونس مع بداية الوعي الوطني في أنحاء المملكة التونسية في تلك الفترة.
وهناك الحزب الدستوري ورجالاته وهناك تحضير للثورة على المستعمر ولا غرابة ان ينخرط بعض الشباب من «الهطّايا» في هذا الحراك، وهنا أيضا موسيقى وايقاعات وأغاني تراثية أثبتت مختلف أحداث هذا المسلسل.
الإذاعة... ثم التلفزة
وأشار الكاتب من ناحية أخرى ان هذا العمل سيتم تحويله الى مسلسل تلفزيوني بعد بثه اذاعيا على اعتبار أنه يحفر في الذاكرة الشعبية ويحتفل بمواسم الخصب والحصاد ويتوقف عند العلاقات الاجتماعية بين الجهات والثقافات المتعددة والرؤى المختلفة.
وعن اللغة المعتمدة في هذا العمل تجمع بين لهجة الجنوب الشرقي ولهجة الشمال الغربي وبالتحديد جهة الكاف والقصة معروفة أيضا في الكاف لأن لها كما أكد على ذلك علي دب جذرا واقعيا وقد أطلقوا عليها اسم «المنسيات» وقام بعض المخرجين بإثارتها والتوقف عندها في عمل ركحي.
يجسّد أحداث هذا العمل الدرامي الإذاعي عدد من الممثلين: حسين المحنوشي وسلوى محمد ونبيلة بالشيخ والحداد بوعلاق والرزقي العوني وعلي الخميري وصالح الجدي وجمال ساسي ومنير العرقي وحسونة ناجي وغيرهم...
وختم الكاتب علي دب هذا اللقاء الخاطف معه بالتأكيد أنه ابن البيئة التي ولد وتربى فيها وسيواصل النبش في الذاكرة الشعبية من خلال أعمال درامية تكتب التاريخ في ربوع الجنوب التونسي.