الهدوء الذي طبع المشهد السياسي خلال الاسبوع المنقضي اكد بان صوت العقل والحكمة لا يمكنه ان يغيب لدى كبار الفاعلين السياسيين وخاصة في اشد اللحظات تعقيدا وضبابية وتجاذبا وخطورة ، كما ابرز نفس الهدوء ان دعاة التجييش وزرع الفتن هم قلة معزولة لا يمكنها ان تؤثر في شيء على مختلف مسارات الاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي التي تشهدها بلادنا. لقد تمسكت مختلف الأطراف السياسية بالشرعية القائمة وأنهت بروح من المسؤولية الكبيرة جدلا عقيما دفعت اليه بعض الأوساط بهدف احداث حالة من الفراغ السياسي والزج بالبلاد في أتون المجهول. ساعات قبل موعد 23 اكتوبر انخفضت درجات التوتر ونأت الأطراف الوطنية بنفسها عن الدفع نحو مسارات لها عواقب وخيمة وأكدت جميعها على المضي قدما لوضع اللبنات الاخيرة واللازمة لبلوغ مرحلة الحكم الدائم بسلام وفي ظل توافق وطني شامل رعاه الاتحاد العام التونسي للشغل عبر مؤتمر الحوار الوطني الذي تمكن من تقريب وجهات النظر بين مختلف الفرقاء ونجح في نزع فتيل الفتنة وسدّ أبواب المجهول.
ان دعاة الفتنة وتقسيم الشعب التونسي والساعين الى إفشال مسار الاصلاح والانتقال نحو الديمقراطية قد باتوا محاصرين اليوم بغالبية من العقلاء وأصحاب النظرات الحكيمة التي تزن التطورات حق وزنها وتقدر المخاطر حق قدرها وتضع النقاط امام الملفات ذات الأولوية الوطنية بعيدا عن كل الشعارات والمزايدات او مظاهر التجاذب الايديولوجي أو الفئوي الذي عادة ما يكون أعمى لا يرى الا المصالح والمغانم الضيقة ولو كان ذلك على حساب الوطن والشعب وخاصة فئاته المحرومة والفقيرة والمهمشة. عندما ينتصر العقل ويغلب صوت الحكمة تضيق السبل بأصحاب القلوب المريضة وذوي النوايا السيئة والبغيضة وتنسد في وجوههم أبواب صناعة السيناريوهات المدمرة وتتجه التطورات والمستجدات نحو الاستقرار والذهاب الجماعي نحو المستقبل الأفضل.
لقد عانت بلادنا طويلا من صراع المصالح الضيقة وهو الامر الذي فاقم أوضاع الناس وزاد في صعوبة المعيش اليومي سواء من حيث ظروف الأمن والطمأنينة او على مستوى المقدرة الشرائية ، واليوم ووسط هذا الهدوء والتعقل وأصوات الحكمة في السلطة والمعارضة يمكن التأكيد على ان هناك فرصة حقيقية للتسريع في لملمة الملفات المفتوحة وحسم الخلافات العالقة وضمان التوجه الجماعي نحو المواعيد الانتخابية القادمة عبر إتمام مستلزماتها المادية واللوجيستية والقانونية بروح توافقية وتشاركية واسعة بعيدا عن كل عمليات الانفراد والهيمنة من الأغلبية او التشويش ومحاولة التعطيل من الأقلية .
تلك هي الروح التي يجب أن تسود الآن وقد عرف الجميع ان توتير الأجواء أو اختلاق القضايا أو توظيف الشواغل والحاجيات اليومية للمواطنين لضرب هذا الخصم أو ذاك أو التشكيك في هذا المنافس أو غيره لا يمكنه الا أن يعطل التقدم ويؤخر الاستحقاقات ويضاعف من ثم من مشاكل البلاد ويزيد من الضغط على حياة المواطنين والمواطنات.