أحداث منوبة الأخيرة كانت الأشد خطورة في علاقة ما يسمى بالتيار السلفي المتشدد والعناصر الأمنية بعد أن أسفرت عن قتيلين وعديد الإصابات من الطرفين، فما هو المطلوب من الطبقة السياسية لتجنيب البلاد الانزلاق في دوامة العنف الذي يهدد الثورة ؟ فقد شهد دوار هيشر أحداث عنف أليمة ذهب ضحيتها شابين من التيار السلفي المتشدد مع إصابة أعوان الأمن باصابات متفاوتة الخطورة وتأتي الأحداث الأخيرة في إطار سلسلة من الأحداث المتتالية مثلت حادثة السفارة الأمريكية نقطة مفصلية فيها اذ نتجت عنها عديد الإيقافات والاحكام بالسجن لمجموعة من العناصر السلفية المتشددة والتي يطالب أنصارها بإطلاق سراحهم كما كان لتدخل احد المتشددين تلفزيا وقع الصدمة في نفوس اغلب التونسيين خاصة حين دعا الى الجهاد وكفر نسبة هامة من التونسيين. فأي موقع لهذا التفكير اليوم وكيف يمكن للاحزاب والتيارات السياسية ان توحد مواقفها في مواجهته؟
موقف السلفيين
من داخل التيار السلفي دعا الخطيب الادريسي التيار الى ضبط النفس وتبني خيار الدعوة بالموعظة الحسنة ونبذ البغضاء والتقاتل واعتبر ان المسلم المخالف في الرأي لأخيه المسلم ليس عدوا له. كما دعا ابو عياض زعيم انصار الشريعة الى عدم اعتماد العنف كوسيلة لرد الفعل حتى لا يكونوا كما قال لقمة سائغة لدى اعداء الدين الذين يستدرجون انصاره الى العنف.
الشيخ البشير بن حسين اعتبر من جهته ظاهرة التكفير ظاهرة خطيرة جدا خاصة لدى المنتسبين حديثا للتيار السلفي واعتبر ان الحكم بالتكفير يصدر بدار القضاء وهو غير متاح للجميع.
كما اعتبر الشيخ عبد الفتاح مورو من يدعو للجهاد عدوا لمجتمعه خاصة من الشباب الذين تم التغرير بهم ضمن مجموعات محسوبة على التيار السلفي بما من شأنه ان يعرقل عمل الحكومة كما قال.
مسؤولية الأحزاب
السيد محمد بنور الناطق الرسمي باسم حزب التكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات يقول «هذه قضية مهمة ويجب ان تكون لها الأولوية الكبرى في اهتمامات كل العائلات الفكرية والسياسية والمجتمع المدني خاصة منها التي تنبذ التطرف والتي تدعو الى احترام القانون والحريات الأساسية في البلاد».
وفي تعليقه على الجماعات التي تتبنى العنف قال بنور «ان الجماعات السلفية المتشددة التي لا تعترف بقوانين البلاد يعتبرها حزب التكتل خارجة عن القانون ولا بد ان تتصدى لها السلط الأمنية والعسكرية حتى يشعر المواطن بالاطمئنان والأمن خاصة ان هذه الجماعات تستبيح لنفسها التدخل المباشر في الحياة اليومية للمواطن واستعمال العنف من اجل فرض انماط حياتية ليس لها علاقة بالتقاليد الموروثة للشعب التونسي».
كما دعا بنور إلى دعم كل تدخل تقوم به قوات الأمن دون مزايدات سياسية او احترازات من اجل فرض واحترام القانون على جميع التونسيين وطالب بنور بتوحيد الخطاب السياسي والتشهير بكل ما يمس امن وحياة المواطن وقال كذلك « التكتل مع كل المبادرات التي توحد الاحزاب ضد العنف مع التاكيد على السلط الامنية بمواصلة تتبعها لكل من تحدثه نفسه باختراق القانون واستعمال العنف وعدم التوقف في صد المتشددين في كل انحاء البلاد».
الاستاذ فاضل موسى عضو المجلس التاسيسي والقيادي في المسار الاجتماعي التقدمي يقول «لا بد ان يكون هناك اكبر قدر من التوافق في خصوص مسالة العنف على غرار ما حدث مع مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل التي التف حولها اقصى اليمين واقصى اليسار فالجميع متفقون ولا حل امامنا غير التحالف واستقطاب بجميع الأطراف ضد العنف».
كما اضاف الاستاذ موسى ان هناك اطرافا تلعب اللعبة الديمقراطية رغم الخلافات والتدافع السلمي الذي هو من طبيعة اللعبة الديمقراطية وفي المقابل هناك من يحرض على العنف وله خطاب مزدوج ويقول عنه « هذه الاطراف سينكشف امرها وستخر لا محالة».
ضرورة التحلّي بالثقة
كما دعا محدثنا الاطراف الامنية الى التحلي بالثقة والشعور بالامن وعدم التشكي والتبكي كما جاء على لسانه واعتبر ان الملف الامني لا بد ان يعالج سريعا حتى تجرى المواعيد الانتخابية في احسن الظروف كما دعا الاطراف السياسية الى تهدئة خطاباتها والكف عن بعض المواقف غير الواضحة مضيفا «هناك اطراف اتهمت مباشرة بعد الثورة بتشجيع العنف ثم اتهمت اطراف اخرى خلال هذه الفترة لذلك لا بد من توضيح المواقف بالنسبة للجميع»
مستعدون لايقاف مطلبنا المتعلق بتحييد وزارة الداخلية
السيد ياسين ابراهيم المدير التنفيذي للحزب الجمهوري قال في نفس الموضوع «نحن طالبنا بفتح حوار وطني منذ مدة لمجابهة العديد من المسائل التي تتطلب توافقا حولها ومهما يكون الاطار لا بد من اتجاه مشترك خاصة من طرف حركة النهضة والمؤتمر من اجل الجمهورية وتوقيف العنف اللفظي وعقلية الاقصاء الذي هو نوع من العنف».
ياسن ابراهيم اعتبر التنافس السياسي امرا مشروعا لكن دون السقوط في العنف وتجنب فكرة الإقصاء للوصول الى توافق بين جميع الاحزاب كما دعا الى ان التصدي لكل من يخالف القانون مضيفا « لا ارى اي حزب سياسي مسؤول لا يدين العنف لكن لا بد من الابتعاد عن الازدواجية والحسابات السياسية الظرفية فلا مجال للاقصاء بغير القانون فمثلا بعض الاحزاب شاركت في انتخابات 23 اكتوبر وتحصلت على مقاعد في المجلس التأسيسي ولم يتم اقصاؤها عكس المطالب التي ظهرت مؤخرا والتي لها تبريرات انتخابية لا غير»
كما دعا ياسين ابراهيم الى مساندة الامن الذي يعيش ظروفا صعبة وأمامه عديد التحديات خاصة ما يتعلق بالمطالب الاجتماعية والعنف الجديد الذي فيه خليط بين توجهات إيديولوجية وبعض العصابات التي لا تريد عودة هيبة الدولة وتطبيق القانون ولا تريد للأمن ان يستتب من جديد من اجل مصالحها الخاصة قائلا في هذا الاتجاه «على المسؤولين السياسيين مساندة قوى الامن والجيش للوقوف وراء تونس ضد العنف وأنقاها من المخاطر وهذا يتطلب كذلك ارادة سياسية واضحة ويندرج في اطاره مطلب حزبنا بتحييد وزارات السيادة».
وفي اجابته عن سؤالنا حول امكانية تعليق هذا المطلب الى حين استقرار الوضع الأمني قال «مطلبنا هو مطلب مبدئي اذ نرى ان الحياد هو الحل والموضوع مطروح للنقاش بين عديد الاطراف دون ان يعني ذلك التشكيك في الاشخاص الحاليين ومع ذلك فانا لا ارى مانعا في تجميد هذا الطلب الى حين الخروج من الازمة الحالية فحزبنا حزب بناء يبحث دائما عن الحلول التوافقية والمصلحة العامة».