لا يكاد الحديث عن تحوير وزاري يخفت، حتى يتصاعد من جديد.. وتنطلق الألسن حول المناصب المستهدفة وحول ضرورة تفعيل الأداء. ووسط زحمة التجاذبات والخلافات والتوقّعات يغيب الجوهر وتطمس القضايا الرئيسية والانتظارات الحقيقية من فريق وزاري في هذه المرحلة الانتقالية.. أو في ما تبقّى منها..ولئن كان الحديث عن التحوير خاضعا في جزء منه الى صراع الايرادات بين «الترويكا» والمعارضة.. فإن ذلك لا يجب أن يحجب لبّ المسألة.. ولا يجب أن يغيّب السؤال المحوري: لماذا التحوير ولماذا يجري عادة تحوير فريق حكومي؟وهو سؤال يجرّنا الى الحديث عن المهام وعن الملفات والقضايا بقطع النظر عن طبيعة أعضاء الحكومة وانتمائهم الحزبي.
وعند هذا المنعطف فإن كل التونسيين فضلا عن الطبقة السياسية يدركون جيّد الإدراك أن البلاد تمرّ بوضع استثنائي اختزل في تسمية فترة انتقالية، وهو وضع يفترض أن تكون له استحقاقات محدّدة ومهام واضحة المعالم تتلاءم والوضع القائم في البلاد وتستجيب لمتطلبات الملفات الحارقة ولانتظارات الناس الأكثر إلحاحا. ولقد استجابت حكومة «الترويكا» في الفترة الأولى ان اختيارا أو اضطرارا لإغراء الترفيع في سقف التوقعات في تجاهل كبير لحجم المشاكل والمصاعب وهو ما دفع بالعديد من الشرائح الاجتماعية والمهنية الى ترفيع سقف طلباتها بشكل عسّر مهام الفريق الحكومي...
ودفع بها بعد شوط كبير الى إدراك حجم الخطإ الذي ارتكب عندما لم تتم مصارحة الناس وعندما سمح بالإيحاء وكأن البلاد في فترة عادية تديرها حكومة كسبت انتخابات على أساس برامج اقتصادية واجتماعية... وليس حكومة مؤقتة لإدارة مرحلة مؤقتة وانجاز استحقاقات ومهام معروفة وهي إنجاز دستور وبعث هيئات للانتخابات والإعلام والقضاء وإنجاز الانتخابات التشريعية والرئاسية للمرحلة الدائمة.وحتى لا يتكرّر هذا الخطأ فإن المطلوب من الفريق الحكومي بالخصوص هو تحديد المهام والملفات والقضايا المطلوب التركيز عليها في الفترة التي تفصلنا عن الانتخابات..
ومن ثم التوجّه الى تكوين فريق متكامل، متناسق يدرك جيدا طبيعة المرحلة وطبيعة الاستحقاقات وينكبّ على إنجازها على أساس أنها مهمة وطنية وليست مهمة حزبية، وبذلك نضمن ألا نضع العربة قبل الحصان حين نأتي بالأشخاص قبل تحديد المهام فنظلمهم ونظلم البلاد لأنهم وإن تسلّحوا بكل حسن النية الممكنة فلن يحقّقوا النجاح المطلوب ولن ينجزوا الأدوار المطلوب إنجازها.
لذلك فإن المطلوب من الطرفين في الحكومة والمعارضة التسامي عن التجاذبات السياسية التي لا تزيد إلا في شحن وتوتير الأجواء والانطلاق نحو توافق حول أولويات وملفات الأشهر القادمة ومن ثمّ تصعيد فريق من الكفاءات القادرة على تأمين هذه المهام وفي طليعتها إعداد الانتخابات القادمة التي ستنقل البلاد الى وضع دائم يمكن للفائز فيه وقتها أن يدير أمور البلاد وفق برامجه ورؤاه ومرجعياته.عبد الحميد الرياحي