أصدرت ورشة العمل التي نظمها مركز دراسة الاسلام والديمقراطية قبل أيام تحت عنوان نظام الحكم والفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بمشاركة مجموعة من صناع القرار داخل الأحزاب السياسية ونواب في المجلس التأسيسي وخبراء عددا من التوصيات المتعلقة أساسا بتنظيم السلطات والعلاقات بينها. طبيعة العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية والصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في المرحلة القادمة لا تزال محلّ نقاش داخل المجلس التأسيسي وتبدو الخلافات قائمة رغم سعي حركة «النهضة» الى حسم أمرها بالعدول عن تمسكها بالنظام البرلماني الصرف.ويعتزم المركز انشاء قناة تواصل بين المجلس التأسيسي ومختلف الورقات التوافقية التي يتوصل اليها المشاركون في ورشات الحوار حتى تؤخذ بعين الاعتبار في صياغة الدستور الجديد للبلاد التونسية ويساهم بذلك المجتمع المدني بدوره في عملية البناء الديمقراطي في تونس.
أشغال وتوصيات
وبعد يومين من أعمال الورشة توصّل المشاركون الى صياغة جملة من التوصيات التي سيتم رفعها الى المجلس التأسيسي، ومن أبرزها: تقرير السياسات يجب أن تكون من مشمولات مجلس الشعب والحكومة. دستور 59 لم يكن استبداديا الا في نقطة واحدة وهي ان رئيس الجمهورية يعيّن الحكومة والوزراء ويرأس مجلس الوزراء. الحكومة هي التي تقرر ورئيس الجمهورية هو الحكم بين السلطات ورئيس كل التونسيين. الحكومة تحكم والأوامر والسياسات والتعيينات والتقريرات تابعة للحكومة ولا للتقاسم في الوزارات لأنّ هذا من شأنه أن يضعف ويشتّت النشاط الحكومي. البرلمان يعين ويسحب الثقة من الحكومة والحكومة مسؤولة أمام البرلمان وبالتالي فان الشأن اليومي برمته يعود الى الحكومة. الفصل بين السلطتين: هناك علاقات تعاون وتكامل والرئيس يضمن احترام الدستور ويمنع من الانحراف. الدستور لن يكون مثاليا ويمكن تغييره أو تنقيحه بعد فترة من الزمن. ضرورة توفير ضمانات لنزاهة الانتخابات وأساسا حرية الاعلام واستقلالية القضاء. من ايجابيات النظام المختلط أنّه يعني تقاسم المسؤوليات وبالتالي يحول دون تغول أيّ طرف في السلطة، ولكن من سلبيات النظام المختلط أنّه قد يؤدّي الى تصارع بين رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة، وبالتالي قد يؤدّى الى تعطيل العمل الحكومي، وهذه نقطة يجب الانتباه اليها.
حوار وطني تشاركي
الورشة كانت مغلقة وبمثابة جلسة حوار وطني تشاركي، وكلّ حصّة فيها مبنيّة على سابقاتها وتمّت بإدارة د. رضوان المصمودي رئيس مركز دراسة الاسلام والديمقراطية وبمشاركة عدد من نواب المجلس التأسيسي وقيادي بعض الأحزاب اضافة الى الوزير عبد الرزاق الكيلاني، المكلّف بالعلاقات بين الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي. وأثارت الجلسة في يومها الأول مسألة خلافية وهي شكل النظام السياسي الجمهوري المنشود في الدستور الجديد لتوضيح الصّورة ووضع رؤية عملية وناجحة في تنظيم العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وتحديد مهام كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بتوزيع و تقسيم الأدوار بينهما بطريقة متوازنة لا تعيق سير أعمال الحكومة الداخلية والخارجية ولا تؤدي الى أي نوع من عدم الاستقرار.
وانطلقت ورشة الحوار بمداخلة للنائب زياد لعذاري، نائب رئيس لجنة الصياغة عن حركة النّهضة، الذي فسّر أهمّ نقاط الاختلاف ومنها المقومات الأساسية لنظام الحكم وموقع رئيس الجمهوريّة داخل هذا النظام من حيث طريقة انتخابه وكذلك من حيث الصلاحيات المسندة اليه وعلاقته بالحكومة وبرئيس الحكومة.
وأوضح أنه حسب الاتفاق الحاصل الى حد الآن فان رئيس الجمهوريّة سيكون منتخبا من الشّعب وبالتالي فان لرئيس الجمهوريّة مجموعة من الصلاحيات بما يتلاءم مع الواقع التونسي وخصوصياته.
وبيّن العذاريي أن هناك ثلاثة توجهات رئيسية في مسألة ضبط علاقة رئيس الجمهوريّة برئيس الحكومة وهي التي تمثل محور الخلاف وهذه التوجهات هي:
توزيع جميع الصلاحيات جزء لدى رئيس الدّولة وجزء لدى رئيس الحكومة وهو توجّه قائم على تقاسم المجالات.
تكون السلطة التنفيذية لرئيس الحكومة أمّا رئيس الجمهوريّة فانه يكون خارج السلطة التنفيذية لكنه يحتفظ بالحق في المراقبة والممانعة وفي حل البرلمان ورفض بعض التعيينات والقرارات.
السلطة التنفيذية يمارسها رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة سويّا ويتّخذان القرارات بالتوافق مع ترك المجال أوسع لرئيس الحكومة مع العودة لرئيس الجمهوريّة في القرارات الكبرى والهامّة.
مخاوف من الانحرافات
الأستاذ عياض بن عاشور تحدّث عن تأثر تحديد صلاحيات كل من رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة بالانحرافات الواقعة في ضل نظام الاستبداد، هذه الانحرافات «لم تأت من نص الدستور بل على مستوى الممارسة الدّستوريّة وكذلك على مستوى التنقيحات التي شوهت نص الدّستور».
واقترح بن عاشور الرّجوع الى النص الأصلي للدستور الذي هو نص قيم ومتوازن بين سلطة الحكومة وسلطة البرلمان وسلطة رئيس الجمهوريّة حيث تكون هذه الأخيرة سلطة اعتبارية وأن يكون انتخاب رئيس الجمهوريّة انتخابا مباشرا من الشّعب وتكون لدى الحكومة صلاحية التخطيط والتنفيذ ويبقى رئيس الجمهوريّة الضامن لعدم وقوع تجاوزات.
الأستاذ عياض بن عاشور اعتبر من ناحية أخرى أن أفسد شيء على مستوى نظام الحكم هو تقاسم السلطات والصلاحيات بين رئيسي الجمهوريّة والحكومة وبالتالي فان على رئيس الجمهوريّة الاحتفاظ بالقدرة على رفض قرارات الحكومة كما لا يمكن تجاوز قرارات رئيس الجمهوريّة الا عن طريق الأغلبية البرلمانية المعززة.
وأكد بن عاشور أنه مهما كانت الاختلافات وطبيعة الحلول فانه لا وجود لدستور مثالي كما أشار الى أن العلاقة بين مختلف السّلطات يجب أن تضل علاقة تكامل وتعاون وتوازن.
وركّزت جل المداخلات على ضرورة الابتعاد أكثر ما يمكن عن التّجربة الدكتاتورية السابقة التي وضعت أغلب الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية وكذلك عدم افراغ رئيس الجمهوريّة من الصلاحيات بوصفه رمزا لوحدة الدولة ومنتخبا مباشرة من الشّعب كرئاسة المجلس الأعلى للقضاء وتعيين رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالاضافة الى صلاحية حل المجلس النيابي والحكومة.
وكان الاستنتاج من وجهات النظر المختلفة أنه «في كل مشروع دستور يجب صياغة القاعدة للمؤسسات المتمثلة في توفير الظروف المثلى لها للاشتغال بصفة طبيعية وأنّ نص الدستور يجب أن يكون مرنا يوفّر حلول فعّالة وعملية في حالة الوقوع في أزمة أو اشكال دستوري» وأن «رئيس الجمهورية يمثل وحدة الدولة ويضمن استقلالها واستمراريتها ويسهر على احترام الدستور ولا بد للدستور أن يسمح بذلك وأن رئيس الجمهورية لن تكون له صلاحيات شرفية».
توافق ممكن
وقد جرى الاتفاق على هذه النقاط في الجلسة بعد الحوار المطول وتبادل وجهات النظر والآراء والاقتراحات في ظل نظام ليس برلمانيا صرفا ولا رئاسيا صرفا. وتم الاتفاق ايضا على أن روح النظام السياسي هي طريقة الاقتراع في البرلمان امّا بالأغلبية على الأفراد في دورة واحدة ونكون أمام الثنائية الحزبية أو بالتمثيل النسبي مع اعتماد أكبر البواقي وبالتالي نكون أمام خليط حزبي وحتمية الحكومة الائتلافية لتوفير أغلبيّة برلمانيّة للحكومة.
وخلال اليوم الثاني من الورشة أنجز المشاركون تمرينا تطبيقيا كان الهدف منه أن يحاول كل طرف الدفاع عن وجهة النظر المقابلة حيث أعيد طرح الاشكالية المستخلصة من نقاش اليوم الأول حول امكانية اسناد بعض الوزارات (الخارجية والدفاع أساسا) لتدخل في اطار صلاحيات رئيس الجمهوريّة.
وبما أن المشاركين قد انقسموا بين مؤيد ورافض لهذا المقترح فقد تم تقسيم الشقيّن الى مجموعات صغيرة حيث تحاول كل مجموعة من اثنين أو ثلاثة مشاركين اقناع المجموعة المقابلة بموقفها بعد ذلك تحاول كل المجموعات الاتفاق على تصور مشترك يتلوه في ما بعد ممثل المجموعة على بقية المشاركين وقد كانت المقترحات كما يلي: لا يمكن أن نسند وزارة الخارجية والدفاع الى رئيس الجمهوريّة ويبقى لرئيس الحكومة كامل الصلاحيات التنفيذية والترتيبية وتحديد السياسات العامة للدولة ويحتفظ رئيس الجمهورية بتمثيل الدولة وتعيين السفراء والوظائف السامية بالجيش باقتراح من رئيس الحكومة بعد حصول تزكية ومصادقة من اللجنة البرلمانية المختصّة. السياسة الخارجية تبقى شأنا مشتركا بين رأسي السلطة التنفيذية رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة، ويترأّس رئيس الجمهوريّة المجلس الأعلى للعلاقات الخارجيّة والمجلس الأعلى للدفاع اللذيْن يضعان الاستراتيجيّة والسياسة العامة لهذين المجالين الحيويين وتسهر الحكومة على تطبيق هذه الاستراتيجيات العامة.