هل سيجترّ محمد علي النهدي أباه لمين من خلال مسرحيته الجديدة «الزمقري»؟ هل كان رجوع لمين للإخراج المسرحي استغلالا لاسمه قصد الدعاية لإنجاح العمل؟ كلها أسئلة برتبة رهانات تسللت إلى ذهن كل من تابع هذه المسرحية. ولكن من شاهد «الزمقري» التي حطت مؤخرا في ثامن عرض لها وغصّت بجمهورها مقاعد المسرح البلدي بسوسة من تنظيم الغرفة الفتية الاقتصادية بالمدينة يفنّد مختلف هذه الأحكام المسبقة لما حبكه لمين من رؤية إخراجية جسمها محمد علي إلى انضباط ركحي وامكانيات فنية عكست حرفية في لعبة فن الممثل مخلّصا المتفرج مما عُلّق في ذهنه من مضامين مبتذلة لبعض الأعمال المحسوبة على «الوان مان شو» النهدي قدّم مجهودا متكاملا حقق فيه حدا كبيرا من التقنيات الفنية لهذه النوعية المسرحية بنص وصف مضمونه مؤلفاه محمد علي ولمين النهدي من خلال لقاء خصا به «الشروق» بأنه كان «بعيدا عن قوالب الإضحاك السمجة التي تعتمد الإيحاءات الجنسية والتهكم على الشخصيات السياسية بل ركزنا على النقد الهادف مع توظيف الجانب الفرجوي الذي كان مفقودا في الأعمال التي تم انتاجها في تونس».
بين الشخصيات والشخوص
«الكيلاني»، «شوقي»، «الناجي»، «بابيون»، «التعيس»، «جميلة اجبدني انجي معاك» و»الزمقري» شخصيات وإن تمّ تقديمها في الظاهر بالطريقة الكلاسيكية من خلال تجسيم محمد علي أيضا شخصية المنشط على طريقة «الكاباريه الأمريكي» كإشارة إلى أن العرض وإن كان مسرحيا في جوهره فإنه في شكله فرجوي، وظف فيه محمد علي شحنة عكست طاقة أحسن توزيعها على مدار مائة وثلاثين دقيقة دون توقف.
وعلى عكس ما عرف به لمين النهدي في مختلف أعماله من استبطان للبعد السياسي باعتماد الإيحاءات فقد كانت الإشارات السياسية في «الزمقري» صريحة ولكن لم تنحصر في موقف واحد بل عكست مواقف عبرت عنها شخصيات المسرحية بشكل كاريكاتوري حيث تعددت المواقف من حزب النهضة مثلا كل حسب نزواته ومصالحه الشخصية ف«بابيون» كان ضد هذا الحزب خوفا من منع الخمر و«جميلة اجبدني انجي معاك» وهي شخصية حقوقية في المسرحية تخشى تعدد الزوجات والحد من حرية المرأة فيما كان الموقف موحدا تجاه المحسوبين على التيار السلفي والذين تم تعريفهم بالأشخاص غير المتدينين ولكن يستعملون بعض المظاهر كاللحية المركبة ... لإيهام الناس بمرجعيتهم الإسلامية من أجل خدمة مآربهم الشخصية ومصالح أخرى.
وقد كان نقد هذه الفئة صريحا ولم يخل من التهكم والسخرية في حرص واضح على تجنيب نص المسرحية التأويلات السلبية فيما يخص هذا الجانب الديني الحساس وتخليصه ممّا قد يعكسه من أبعاد إيديولوجية وبالتالي كان لمين وفيا للبعد الشعبي في نقله لمختلف الآراء دون السقوط في الطرح السياسي الشخصي.
الضّحك والإضحاك
الكوميديا كانت محملا لمختلف المواقف المجسمة ركحيا وجوهرا برتبة الأداة لتبليغ ووصف جملة من المواقف كان فيها لمين النهدي وفيا للتوجهات الفنية التي عوّد بها جمهوره البعيدة عن الإسقاطات فكانت موظفة وفق الوضعيات المسرحية في خدمة المواقف النقدية وليس العكس أتقن فيها محمد عليّ تقمص الشخصيات بكل دقة وأحسن فيها إلى حد كبير تطويع ملامحه ونبرات صوته مفرزا تعبيرات منسجمة فحقق معادلة النقد والضحك في انتظار ما ستفرزه بقية العروض من تعديلات وهي سمة هذه النوعية المسرحية.