جزء من مشهد انتقالي مضطرب وصاخب ومشوش عابر لأقطار ما بات يعرف ب«الربيع العربي» هو المشهد السياسي في تونس... حيث حالت المحاصصة الحزبية والمصالح الإيديولوجية للأطراف السياسية إضافة إلى عجز القيادات السياسية في هذه الأقطار لتمثل مفهوم الدولة... حقيقة وفعلا وسياسة... دون الوصول هذه الأقطار إلى بر الأمان وتأمين مرور المرحلة الانتقالية بأخف الأضرار. المتابع للواقع والمشهد السياسي ككل في البلدان العربية الأربعة التي نجحت في إسقاط أعلى هرم السلطة لديها (ونقصد بذلك تونس وليبيا ومصر واليمن)... بإمكانه أن يسحب مقولة واحدة على راهنها السياسي تتجسد في أنّ البناء والتأسيس أصعب بكثير من الإسقاط والهدم.. وأن فلسفة المعارضة وعقليتها ومنطق تحركها يختلف بشكل جذري عن منطق الدولة ومقاربات تشييدها ونحتها.
4 معضلات كبرى تقف حجرة عثرة حقيقية في وجه المرور من خانة الانتقال الديمقراطي إلى سياق التأسيس والتراكمية الديمقراطية. الأولى تكمن في إرادة التغول على مفاصل الدولة لدى بعض الأطراف السياسية النافذة في بلدان «الربيع العربي» وسعيها إلى صبغ مؤسسات الدولة بلونها الحزبي وحساسيتها الإيديويوجية.
الثانية تتجسد في غلبة فكرة الإقصاء السياسي والثقافي لدى من عهد إليهم تأمين المرحلة الانتقالية الأمر الذي تحول في بعض الأحيان إلى ثأر سياسي وتشف وانتقام وهي أمور تتناقض عضويا مع روح التوافق التي لابد أن تكون اللبنة الأساس لإنجاح اي مشروع ديمقراطي وليد.
الثالثة فتتجسم في الهوة القائمة بين وعود الفاعل السياسي الذي وضع سقفا اقتصاديا واجتماعيا عاليا خلال الانتخابات والإمكانيات الاقتصادية الضعيفة لبلدان الربيع العربي الأمر الذي عاد سلبا على الفاعل السياسي والجمهور الذي انتخبه.
أما الرابعة فهي التدخلات السياسية للدول الإقليمية والقوى العالمية الكبرى في شؤون دول الربيع العربي وسعيها إلى تجيير هذه النماذج السياسية الوليدة لصالحها وإلحاقها بها اقتصاديا او سياسيا...
الواقع في تونس... كما في مصر وليبيا كما في اليمن.. يحتاج إلى رجال دولة يقودون الدولة بفلسفتها ويحترمون محدداتها وضوابط عملها... الطامة الكبرى في أن يكون رجال الدولة في المعارضة... وأهل المعارضة في الحكم... والطامة الأكبر حين يتبوؤون المناصب الكبرى في هذه الدول... أناس... لاهم أهل دولة ولا هم أهل معارضة...