تخفيض الترقيم السيادي لتونس وما سبقه من تصريح لنائبة في البرلمان الأوروبي تؤكد أن الوضعية الاقتصادية في تونس في خطر. من يوم لآخر تتالى «خيبات» الاقتصاد التونسي آخرها اعلان وكالة «ستاندرد اند بورز» تخفيض تصنيف تونس الائتماني وقبله تصريح النائبة في البرلمان الأوروبي «ايفاجولي» عن افلاس تونس بسبب تراكم ديونها .
ورغم ما تقوله الحكومة الحالية عن تحسن الوضعية الاقتصادية مقارنة بالأشهر الماضية وتقديمها أرقاما ومؤشرات اقتصادية «في صعود» إلا أن ذلك لم يشفع لها في انقاذ الصورة الاقتصادية للبلاد داخليا وخارجيا.
وزادت القناعة بذلك إثر تصريح حمادي الجبالي يوم اعلان استقالته بان حكومته فشلت في خدمة البلاد والشعب . ويأتي كل هذا في وقت ينشغل فيه الساسة بالتجاذبات السياسية التي لم تنفع البلاد في شيء طيلة أكثر من عام.
فشل داخلي وخارجي
على الصعيد الداخلي، لم تنجح الحكومة الحالية في نيل رضا التونسيين حيث تتالى التذمرات من غلاء المعيشة (بسبب التهاب الاسعار ) ومن تفاقم الأعباء الجبائية على المواطن ومن ارتفاع أسعار بعض المواد الأساسية لا سيما المحروقات ومن استقرار الأجور ومن تدني المداخيل المختلفة ومن تضييق الخناق على الاقتراض البنكي. كل هذا فضلا عن تعثر بعث المشاريع و تزايد عدد العاطلين والفقراء والمُهمشين وانسداد الآفاق أمام الطبقة الوسطى وتزايد الرشوة والفساد في الإدارة. وهو وضع لم يألفه التونسيون في السابق وأصبح ينذر بتصاعد حالات الاحتقان الاجتماعي والجهوي.
وعلى الصعيد الخارجي، تزداد صورة تونس الاقتصادية من يوم لآخر قتامة. فعدد السياح في تراجع ملحوظ والاستثمارات الأجنبية تتعامل مع بلادنا بشيء من النفور والشكوك والمخاوف. أما الجهات المانحة للقروض والهبات (الدول والمؤسسات المالية الدولية والمنظمات الدولية) فقد تراجع عدد كبير منها عن وعوده فيما لا يزال جانب آخر يماطل وينتظر تحسن الوضع.
وضع سياسي هش
قالت مؤسسة «ستاندرد اند بورز» أن تخفيض تصنيف تونس الائتماني السيادي طويل الأجل بالعملتين الأجنبية والمحلية من BB إلى BB سلبي يعود إلى احتمال تدهور الوضع السياسي في ظل آفاق تزداد سوءا يوما بعد يوم.
فقد أعلنت الوكالة أن التوتر السياسي زاد كثيرا في تونس في المدة الاخيرة «مما أدى لزيادة المخاطر التي يواجهها الانتقال التونسي نحو الديمقراطية»، على حد قولها ، مضيفة أنه يوجد خطر لتدهور الوضع السياسي في تونس، وهو انهيار الاقتصاد.
مؤكدة أن قرار رئيس الوزراء حل الحكومة الانتقالية جاء ليؤكد الخلافات العميقة داخل الائتلاف الحكومي مما صعب قدرته على اتخاذ اجراءات فعالة ضد الضعف الاقتصادي والمالي العام.
ديون وافلاس
قالت النائبة في البرلمان الاوروبي إيفاجولي انه من باب المستحيل أن تتمكّن تونس في ظل الظروف الحالية من تسديد ديونها تجاه الدول الاوروبية البالغة 20 مليار اورو ما قد يضعها على حافة الافلاس على غرار اليونان. ويقول خبراء الاقتصاد ان قيمة الدين الخارجي اليوم في تونس يبلغ 25 مليار دينار وهو في نمو مطرد ويمثل تقريبا 200 بالمائة من مداخيل الدولة وهي وضعية حرجة خاصة أن أغلب ديوننا بالعملة الاجنبية التي هي في تطور مطرد مقارنة بالدينار (خاصة اليورو والدولار)، كما أن نسب الفائدة التي تعطى بها هذه القروض في ارتفاع متواصل زد على ذلك ان وكالات الترقيم الدولية تصنف تونس كبلد عالي المخاطر على مستوى الاقراض الدولي وهو ما سيؤثر حتما على نسب الفائدة.
ومنذ مطلع سنة 2012، أقدمت تونس على « موجة» من الاقتراض من الدول والبنوك العالمية. ويبدو وفق التوقعات أن الدولة التونسية ستضطر الى مزيد التداين الخارجي لخلاص ديونها المتخلدة بالذمة بنسب فائدة مرتفعة جدا وهو ما سيزيد من حدّة الأزمة.
الانقاذ
لم يبق امام الحكومة (الحالية أو التي ستليها) من حل غير الشروع في اتخاذ اجراءات عاجلة ودقيقة من شأنها اخراج البلاد من الوضع الذي آلت إليه. ويبقى على راس هذه الحلول التعجيل بإيجاد مخرج للازمة السياسية عبر التفكير في مصلحة البلاد أولا وأخيرا قبل التفكير في المصالح الحزبية والسياسية و الشخصية الضيقة التي لم تؤد سوى إلى تدهور الوضع الاقتصادي .
حشود مسؤولين .. بلا فائدة
وفق الخبراء فان تونس في حاجة اليوم إلى مزيد التقشف في النفقات العمومية عبر الحد من الاجور والامتيازات التي يحصل عليها الحشد الكبير من اعضاء الحكومة والمسؤولين. ولن يكون ذلك إلا بالتخفيض من عدد المستشارين و الوزراء والمسؤولين في الحكومة وفي رئاسة الجمهورية بعد أن اعترف الجبالي بفشل الجميع فشلا ذريعا في خدمة البلاد والشعب ، فما الفائدة إذن من كل هذا «الحشد» إذا لم ينجح في تحقيق ما ثار الشعب من أجله. كما بات من الضروري التخفيض في أجور وامتيازات نواب التأسيسي الذين لم يقدموا إلى الآن شيئا يخرج البلاد من أزمتها وأهمها انهاء كتابة الدستور ورسم خارطة سياسية واضحة للفترة القادمة .