هل افلست تونس ام انها تمر بوضع اقتصادي صعب؟ ما هي مؤشرات الافلاس وهل تحتمل التأويل في اكثر من سياق؟ لماذا تتضارب القراءات بالرغم من انها تنطلق من نفس المعطيات؟ هل ان مقولة «افلاس تونس» مقاربة سياسية ام معطى واقعي؟ تختلف المواقف التي تروم مقاربة الوضع الاقتصادي التونسي حد التناقض بين من يعتبرون ان تونس على مشارف هاوية الافلاس بالرجوع الى حجم الدين الخارجي وطبيعة الاقتراض التي تكون في الغالب للاستهلاك, وبين من يوردون ارقاما ايجابية عن نسبة النمو الاقتصادي وتقلص البطالة, ويعتبرون ان قيمة الدين الخارجي لتونس لم تتجاوز الخط الاحمر.
ولئن كان ملف الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها تونس قد طُرح في مرات عدة الا ان ما يجعله يطفو على السطح حاليا تصريح نائبة البرلمان الاوروبي عن حزب الخضر الفرنسي ايفا جولي التي قالت إن ديون تونس المقدّرة ب 20 مليار أورو أي ما يعادل 40 مليار دينار تونسي تحوّلت الى أمر مقلق وخطير قد يضع البلاد بأكملها على حافة الافلاس على غرار اليونان.وطالبت النائبة الفرنسية دول الاتحاد الاوروبي بفسخ الديون التونسية لأنه من باب المستحيل أن تتمكّن تونس في ظل الظروف الحالية من تسديد هذه الديون. واضافت ان نسبة الديون التونسية تجاوزت مرّة ونصفا الميزانية العامة للبلاد بعنوان سنة 2013 والمقدّرة ب 26 مليار دينار تونسي مما يؤكد أن تونس في حالة إفلاس ولن تقدر على مواجهة مصاريف الانفاق في علاقة بخلاص أجور الموظفين وعمّال القطاع العام بالاضافة الى تمويل مصاريف وزارات الصحّة والتعليم وإعانة الطبقات من معدومي الدخل ودفع جرايات التقاعد. «الشروق» حاولت استيضاح الامر مع عدد من الخبراء ونواب المجلس التأسيسي.
في حين قال نائب المجلس التأسيسي عن حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد منجي الرحوي ان ديون تونس من المفروض ان تكون لمشاريع ذات جدوى ومشخصة لتعود بالفائد ة على تنمية الثروة الوطنية ويكون دور هذه القروض بقدرها او اكثر حتى تتم تنمية الثروة وحتى يكون للاقتصاد والثروة قابلية لارجاع هذه الديون واضاف الرحوي «على سبيل المثال القرض الذي بلغ حجمه 2730 مليون دينار هو قرض قُدم بشكل مغالطة لمجابهة الاوضاع الاقتصادية وتعديل الميزانية والميزان التجاري في حين ان هذه القروض قدمت لاعادة قروض قديمة وهنا يتمثل عقم الحكومة».
وكما قال الرحوي ان الحكومة غير قادرة على رصد مشاريع لتنمية الثروة وخلقها بما يؤهل تونس لتسديد خدمة الدين من الانتاج الفعلي وليس من عملية مالية صرفة، اما بالنسبة إلى القروض التي تتمتع بها تونس فهي تساوي نصف الاصل, ونسبة الفائدة الحقيقية فيها تعادل الخمسين بالمائة وليس مثلما يوهمنا به وزير المالية حيث يقول انها 2 بالمائة او 3 بالمائة. كما اشار الرحوي الى ان اي رب عائلة الان له ديون متخلدة تقدر ب17500 دينار وهو مطالب بارجاعها عن طريق ما يُنتزع منه من ضرائب، وبهذا سيتم الاتجاه الى الضغط على المواطنين من خلال الضرائب والحكومة تطبق المزيد من الضرائب على الاجراء و لا تمس اصحاب الثروة الكبيرة. واضاف الرحوي انه بالنسبة لمديونية تونس هي في علاقة بالسيادة الوطنية باعتبار انه منذ 1986 تم منح تونس قرضا من صندوق النقد الدولي كان لتحقيق الاصلاح الهيكلي وكان له تبعات خطيرة وكارثية على الاقتصاد والمجتمع التونسي واهم محاور املاءاته، تخصيص القطاع العام والسماح بالاشكال الهشة للتشغيل مثل المناولة وعملية التخصيص بما يرادفها من فساد مالي في ظل حكم الديكتاتور بن علي وكذلك تغول القطاع المالي على القطاع المنتج والعائلة التونسية والموظفين والاجراء وآخرهم احد املاءات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي اللذين يشترطان قانون الشراكة في القطاع الخاص ويروج له عدد من نواب حركة النهضة وهو يعتبر جيل جديد من الخوصصة التي ستقضي على الاخضر واليابس وخاصة ما تبقى من القطاع العمومي اي ان المدارس والصحة والمعاهد والطرقات وخدمات التطهير ستصبح كلها للقطاع الخاص مع العلم ان القطاع الخاص متكون من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي لا يمكنها استيعاب المشاريع الكبرى فسيكون حتما مآل المشاريع الى المؤسسات المتعددة الجنسيات.
واعتبر الرحوي ان ما يحصل اليوم مرحلة جديدة من بيع تونس الى الخارج ومرحلة تفتح تونس على النهب الخارجي والتفويت في خيراتها لصالح الشركات العملاقة وموجة جديدة من مزيد التفقير لابناء الشعب. وشدد الرحوي على ان حديث كاتب الدولة لدى وزير المالية عن سحب مشروع قانون التدقيق في المديونية ليس من فراغ بل هو لطمأنة الشركاء في الخارج.
حبيب بريبش : المشكل سياسي وليس اقتصاديا
اما نائب المجلس التأسيسي عن حركة النهضة حبيب بريبش فقال بان المشكل في تونس سياسي وليس اقتصاديا, واعتبر ان الوضع الاقتصادي احسن مما يتوقع البعض, حيث ان نسبة النمو تبلغ 3,5 بالمائة ونسبة البطالة بدات تضعف, اما عن الديون الخارجية فقال «نحن وصلنا الى 46 بالمائة من الناتج المحلي الخام وهناك من وصل الى اكثر من 100 بالمائة وهي دول كبرى» وشدد على انه الى حدود نسبة 50 بالمائة يبقى الامر مقبولا. كما شدد على ان تونس تعمل على التقليص من الديون الخارجية، ورفض القول بان تونس افلست قائلا «لسنا مفلسين ولا نذهب الى الافلاس لكن يجب ان نضع حلا جذريا للاوضاع السياسية» واعتبر ان الحل يكمن في تكاتف كل الجهود لانقاذ الاقتصاد الوطني
قال محمد علي نصري نائب المجلس التأسيسي عن حركة نداء تونس ان حجم الديون الخارجية لتونس تجاوز 20 مليون يورو اي 40 مليون دينار تونسي، مما يجعل تونس غير قادرة على الايفاء بمعاهداتها وتسديد ديونها ويجعلها على باب الافلاس وهي في نفس الوقت اصبحت غير قادرة على تمويل المشاريع العمومية المدرجة في الميزانية مما سيزيد في تدهور الاقتصاد والظروف الاجتماعية التي يعيشها المواطن. واضاف محمد علي نصري «لا نستغرب ان تصبح الدولة غير قادرة على خلاص موظفيها».
عبد الرزاق الخلولي : الوضعية تنبئ بحالة كارثية
اما نائب كتلة الحرية والكرامة في المجلس التأسيسي عبد الرزاق الخلولي فقال ان الرؤية غير واضحة والتوجهات يجب ان تحدد اولويات الاصلاح الاقتصادي في تونس، واعتبر انه في ظل فقدان الرؤية الواضحة لا يمكن ارجاع العافية إلى الاقتصاد والنظر في مرتكزاته.
واضاف ان المؤسسة الامنية مثلا اذا تم اصلاحها واخراجها من الازمة والذهاب نحو الامن الجمهوري فان تبعاتها تاتي بامن اقتصادي واجتماعي وهذا ينعكس على الدورة الاقتصادية والاستثمار، واشار الى وجود ارتباك في برنامج الحكومة وعملها وان وضعية الاقتصاد لا تطمئن.
اما عن التصريحات القائلة ان تونس على حافة الافلاس فقال الخلولي «لم نصل الى الهاوية,لكن نحن في وضعية تنبئ بوضع كارثي اذا لم نقم باجراءات وتدخلات « وفّصل ذلك بالقول «نحن الان في مرحلة فراغ ورمينا انفسنا ومصيرنا في يد صندوق النقد الدولي الذي يفرض عديد الشروط، وحتى مبادرة حمادي الجبالي المتمثلة في تشكيل حكومة تكنوقراط كان طرحها صندوق النقد الدولي سابقا» كما اضاف انه يجب الانكباب على النظر في دعم مؤسساتنا الداخلية وهيكلتها، وطمأنة رجال الاعمال والعمل على جلب استثمارات اخرى من خارج الاتحاد الاوروبي الذي اصبح يفرض شروطا معينة.
الهادي الشاوش : يجب التعامل مع المديونية بكامل الحذر
في حين قال الهادي الشاوش نائب المجلس التأسيسي عن حزب المبادرة «لقد بلغت حجم الديون العمومية الى غاية سنة 2013 ما يقارب 32911 مليون دينار وهذا يمثل 46,8 بالمائة من الناتج المحلي الخام وقد تطورت نسبة الدين العمومي من 55,9 بالمائة سنة 2002 لتبلغ 48,6 سنة 2005 و 42,9 سنة 2009 و 40,5 سنة 2010 و44 بالمائة سنة 2011، اما بخصوص هيكلة الدين العمومي فهناك 51 بالمائة هي من الاورو و 22 بالمائة دولار امريكي و 20 بالمائة من اليان الياباني و 7 بالمائة عملات أخرى». اما عن حجم الديون سنة 2013 مقارنة مع الميزانية فقال الهادي الشاوش ان فيها 6817 مليون دينار خلال ميزانية 2013 منها 5017 مليون دينار اقتراض خارجي و 1800 مليون دينار اقتراض داخلي وهذا يمثل قرابة 25 بالمائة من ميزانية الدولة المقدرة ب26692 مليون دينار.
اما بخصوص الاقتراض الخارجي المقدر ب5017 فيتم بالتوازي خلاص قروض بعنوان اصل وفائدة بقيمة 4139 مليون دينار، اضافة الى ان نفقات الدعم المقدرة ب 4200 مليون دينار نفقات دعم (منها 2520 مليون دينار بعنوان دعم المحروقات و 1350 مليون دينار بعنوان دعم المواد الاساسية و 330 مليون دينار دعم النقل ) هذا بالاضافة الى ان الفترة الانتقالية شهدت تطورا كبيرا في نفقات التصرف وخاصة في الاجور التي تمثل 77 بالمائة من نفقات التصرف دون الدعم.
اما عن الحلول التي يجب اتخاذها فقال الهادي الشاوش ان تونس يجب ان تتعامل مع المديونية بكامل الحذر من جهة وضرورة التفكير في موضوع صندوق الدعم، وللخروج من الوضعية الاقتصادية المتردية اقترح تناول مسالة الامن من خلال الاعداد الى حوار وطني في اقرب الاجال تحضره مكونات المجتمع المدني والاحزاب، اضافة الى تحسين مردودية الاستخلاصات الجبائية الغاية منها التعويل على الموارد الذاتية وهذا يكون عبر مساهمة المطالب بالضريبة في ايداع التصاريح والانخراط في اجراءات العفو الجبائي، اضافة الى التعجيل بمراجعة المنظومة الجبائية الحالية التي نرجو ان تكون عادلة.