عديدة وقوية هي الرسائل التي أرسلها الرئيس أوباما خلال زيارته إلى منطقة الشرق الأوسط...والتي استهلها بزيارة اسرائيل التي أرسل منها أقوى الرسائل حتى الآن ... أوباما قال في البدء «إن تحالف بلاده مع اسرائيل هو تحالف أبدي»... ثم كشف النصف الآخر من الرسالة يوم أمس حين دعا الدول العربية «إلى تطبيع علاقتها مع اسرائيل» معتبرا «ان اسرائيل هي أقوى دولة في المنطقة ولن تزول أبدا».
واضح أن هذه الرسائل موجهة إلى الدول العربية وإلى إيران...وهي رسائل يخص شق التطبيع منها الدول العربية المطالبة بتطبيع علاقتها مع اسرائيل وهي الأقوى في المنطقة... أما الشق الثاني منها والمتعلق باستحالة زوال اسرائيل (أبدا) فيخص إيران لأن العرب أضعف من تهديد أمن اسرائيل ولأن طهران ما فتئت تهدد بمحو الكيان الصهيوني من الخارطة في حال تعرضت إلى ضربة لبرنامجها النووي.
ولو توقفنا عند الشق من الرسالة المتعلق بالدول العربية فإنه بإمكاننا القول إن أوباما جاء إلى المنطقة ليجني حصاد زرع ظلت أمريكا وحليفها اسرائيل ترعيانه في المنطقة العربية منذ أكثر من عقدين...زرع بدأ بتدمير العراق واحتلاله واقصائه من كل معادلات المنطقة وهو الذي نجح في وقت في تحقيق توازن الرعب مع الكيان الصهيوني... ويستمر بإشعال «حرائق الديمقراطية» في عدد من الدول العربية وفي طليعتها مصر وتلهيتها بالكامل في صراعاتها الداخلية التي استنزفت الجهد والمؤسسات وكل مقومات القوة...وهو حريق يعرف أوجه في سوريا التي كانت قلعة للصمود والممانعة والتي عرفت بدعمها اللامشروط للمقاومة سواء في لبنان أو في فلسطينالمحتلة...وهو دعم مكن حزب الله اللبناني من إلحاق هزيمة مذلة بالصهاينة ومكن المقاومة الفلسطينية في غزة من تحقيق نوع من التوازن أجبر الصهاينة على وقف عدوانهم الأخير..
وكل هذا في سياق الاستراتيجية الأمريكية الهادفة الى تغيير خارطة المنطقة من خلال نظرية التفتيت وإعادة التشكيل التي بشربها صقور المحافظين الجدد والتي تهدف في الأخير إلى بروز دويلات مجهرية على أسس عرقية وطائفية ومذهبية تدور في فلك اسرائيل وتقتنع بقوتها الجبارة وبمتانة تحالفها مع أمريكا... وهو ما جاء الرئيس أوباما ليذكر به في جولته الحالية.
وبالمحصلة فإن الشعوب العربية التي كانت تهتز وتنتفض تنديدا بعجز ما كان يسمى النظام الرسمي العربي لن يكون امامها الا الانكفاء على جراحها الداخلية والعويل لاندثار النظام الرسمي العربي أصلا.. فيما لم يبق لشظايا وبقايا هذا النظام الا الهرولة لتطبيع العلاقات مع «الحليف» او «الشقيق» الصهيوني تجاوبا مع «طلبات» اوباما وانسجاما مع «القراءات الموضوعية للمعطيات الميدانية وللمتغيرات الدولية ».
أما تحرير فلسطين وانشاء دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف فتلك «هلوسات» من الماضي وجب نسيانها الى الأبد... ما دامت اسرائيل وحليفتها أمريكا يطرحان علينا الآن السلام مقابل التطبيع... في نسخ لمعادلة الماضي المتمثلة في «الأرض مقابل السلام». وبعبارة أوضح علينا بنسيان عودة الارض واعطاء اسرائيل التطبيع على ان تعطينا في المقابل السلام.. لنجسّد انسجامنا مع نظريات أوباما ولنؤكد له ان رسائله البليغة.. قد وصلت.. وأن أصداءها البليغة ستتردد أواخر الشهر في قمة بغداد.