الدكتور محسن جاسم الموسوي يعدّ من كبار الباحثين العرب الذين أثروا المكتبة العربية ببحوث ذات قيمة عالية اضافة الى تدريسه في عديد الجامعات منها الجامعة التونسية. احدى المجلات اجرت حوارا معه هذا اهم ما جاء فيه. الانتاج النقدي في المغرب العربي له سماته الخاصة التي تميزه بشدة ولو على المستوى النظري لا التطبيقي على الأقل ما السبب ي رأيك؟ ينبغي ان نتذكر ان دول المغرب العربي والمملكة المغربية تحديدا حققت خلال العقدين الاخيرين نقلة خاصة لم تأت «جزافا» انعدام المركز اولا كان مهما جدا لأية حركة، حركة الثقافة هي حركة مد وجزر بين المراكز والاطراف، بغداد ضاعت منذ نهاية القرن الحادي عشر عندما تباطأت الحركة الأدبية فيها وبدأ الأدباء يهجرونها الى اوروبا والدول العربية. المغرب، منذ منتصف ثمانينات القرن العشرين، بدأ يشعر بضرورة ان ينتصر على ذاته، اي ان يتمكن ثقافيا تمكنا فعليا يليق بسمعته القديمة عندما بدأت ممالك الاندلس في الانهيار. جرت هذه العودة على مرحلتين، الاولى: استعادة الوعي القديم عندما اخذت المغرب الراية من الاندلس وأصبحت مركزا ثقافيا واستدرجت عددا كبيرا من المثقفين. الأخرى: تحركت المغرب وهي تريد ان تكون «مركزا» لا «طرفا» للمغرب بحد ذاته، على الصعيد الثقافي، على صعيد العلاقة بالدول الأخرى، على صعيد الحضارات، حتى السياحة، ترافق هذا الوعي بجهود مكثفة، ثم المناخ الأخذ في التحسن باستمرار، هذا المناخ الفكري والثقافي والسياسي كلما تحسن اتاح للادباء ان يتكيفوا مع هذه الوقائع ويزدادوا وعيا وكذلك رفدا للوعي العام. ثم لا يجب ان ننسى جانبا في غاية الأهمية وهو «العلاقة بالآخر» المشرق استمر في اقامة علاقات مع «الآخر» على اساس تبادلات صغيرة ومحدودة، المغرب لا، بدأ بحملة علاقات موسعة مع الخارج لاسيما العمق الفرنسي الذي جعل منه رافدا معرفيا له على صعيد الدراسة الألسنية تحديدا فأفاد من هذه الدراسة إفادة اكبر، ونستطيع ان نقول ان الجهد الألسني كان موجودا، لكن من الصعب ان اقول ان جهدا حقيقيا ومنظما قد نجح، هناك نتاج ابداعي حسن على صعيد الشعر والنثر، اما على صعيد «العمق النقدي» فلا اتفق على ذلك ولا ارى ان الشباب او الاجيال التي حاولت في السنوات الاخيرة ان ترفد الحركة النقدية قد قدمت جهدا حقيقيا انما لم يزل طارئا ومزيفا لسوء الحظ باستثناءات بسيطة جدا. هناك منجز فعلي رائع على المستوى الابداعي في الشعر والرواية اما على المستوى النقدي الحقيقي فلا. لم يتشكل هناك عمق نقدي أفاد من النظرية النقدية بعد. * وكيف نتعامل مع نظريات النقد «المستوردة» من الغرب؟! يجب ان نفيد بالطبع من النظرية التي جرى تطويرها في الغرب، ولكن ينبغي ألا نمالي هذه النظرية او نأخذ عنها نقلا، ينبغي ان نبحث ونستزيد في ضوء وقائع المجتمعات العربية، وندرك جيدا ان المجتمعات العربية تمتلك اشياء موحدة: اللغة، الثقافة المشتركة، الارض، التاريخ المشترك... الخ، ولكن ينبغي ان نتأكد ايضا انه من المستحيل ان نتحدث عن مجتمع عربي واحد... يكفي هذا الكذب، هذا تحدثنا عنه في يوم ما بحماس شديد لأننا كنا اسرى للخطاب النهضوي الذي كان يرى انه لابدّ لهذه الامة ان تأتلف، كنا في عصر «المركزيات» وكان لنا ان نتحدث بنفس الرغبة المركزية، اما واقع الحال فقد اثبت لنا انه كلما اتيح المجال امام التعددية والاختلاف تيسرت السبل امامنا لكي نفهم مجتمعاتنا جيدا، ولكي نفهم الفوارق التي تحيي الابداع وحركة الابداع وتجعل من النقد الثقافي منجزا حقيقيا. * وماذا عن الثقافة والأدب بالخليج؟ نستطيع ان نقول ان العراق بقي كتلة قوية ومستقلة لفترة طويلة من الزمن على صعيد الابداع والعطاء، وظل بؤرة اساسية في حركية الابداع العربي، وفي النقد، وفي الدراسات الألسنية، بقي قويا وصاحب شخصية مميزة ومؤثرة في الداخل العربي عموما. بالنسبة لبقية دول الخليج فإننا ينبغي ان نرى الخليج على انه «حديث النشأة» ثقافيا، ولا نعنى بهذا ان نحرمه من التراث الشديد، الذي يمتلكه، ولكن ربما لعدم وجود الكثافات السكانية فيه لم تتكون بؤر ثقافية فيه باستثناء البحرين واليمن وبعض مناطق المملكة العربية السعودية، ومن الصعب ان نتحدث عن الخليج ككل متكامل كما نتحدث عن مصر او العراق او لبنان، هذا صعب، وهذا مرجعه الى قلة الكثافة السكانية. هذا ليس معناه اننا منذ مطلع القرن العشرين لم نشهد ظواهر مهمة، لا كانت هناك ظواهر كثيرة في الشعر التقليدي مثلا، ظواهر القصة القصيرة التي ازدهرت كثيرا منذ الستينات اما الرواية فلم تحقق الى الآن منجزا واضحا، على عكس الشعر الذي قدم الكثير وكذلك القصة القصيرة، بل ان القصة القصيرة في الخليج تتميز بسمات كثيرة خاصة. * وماذا عن الابداع النقدي في الخليج؟ انا لا اجامل وامتلك بعض الحدة في هذه الامور، هناك جهود نقدية لا سيما من خلال المؤسسات الاكاديمية ولاحظت هذا بوضوح في البحرين وهناك الكثير من الدراسات الحسنة في الشعر والقصة، لكن هل يمكن ان ينسحب هذا الحكم على الجميع؟! لا، توجد محطات متفرقة، اي انك في اليمن تقرأ لعبد العزيز المقالح شاعرا، وتقرأ لزياد مطيع دماج روائيا، ولكن هل تستطيع ان تأتيني بأربعين رواية تمثل منجزا فعليا وتجعل من شخصياتها واضحة جدا في المحيط العربي؟ هذا يمكن ان يقال على الجميع. هناك جهود في داخل السعودية مثلا لعبد الله الغذامى ولأصدقائنا الآخرين وهي جهود موفقة وجيدة وتمتلك رؤية خاصة، ولكنني لا اتحدث عن العلاقات المفردة لحد الآن، انا اتحدث عن حركة كاملة العمق تشارك في صنعها مجموعات كبيرة من الدارسين والمراكز والافكار والمبدعين وتعطي منجزا واضح الملامح يمكن مقارنته بغيره او جعله على مستوى الغير.