التجريب في الشعر العربي تجربة الشعر هي المعاناة التي يتكبدها الشاعر في سيرورته الشعرية. أما الشعر التجريبي وهو الشعر الذي هو للاختيار والامتحان. فإن صمد أمام التاريخ فإنه يتحول من صفته التجريبية الى صفته العادية وإن لم يتم استيعابه من طرف ذائقة العامة من أهل الثقافة والأدب يبقى شاذا.... وللعرب شعر تجريبي نذكر منه على سبيل المثال (9) : * الشعر الأخيف : وهو نمط من الشعر تكون كلماته في البيت واحدة مهملة (أي غير منقطة) وأخرى معجمة (أي منقطة) ومثل ذلك : الحر يجزي والكرام تثِيب واللؤم يخزي والهُمام يُنيب * الشعر الأرقط : وهو الذي تكون حروف الكلمة الواحدة احداهما مهملة والأخرى معجمة، ومثل ذلك : مخلف متلف أغرّ فريد نابه فاضل ذكي أنوف الشعر الحالي : ما كانت حروفه معجمة (منقوطة) كلها : فتنت بظبي بغي خيبتي بجفن تفنن في فتنتي * الشعر العاطل : ما كانت كل حروفه مهملة (غير منقوطة) مثل كم ساهر حرم لمس الوساد وما أراه سُؤله والمرادْ * الشعر التوأم : هو ما كانت كلماته متشابهة مثل : زُينت زينب بقد يقد وتلاه ويلاه نهْدٌ يِهُد * الشعر المعكوس : وهو شعر يقرأ طردا وعكسا مثل هذا البيت الذي يقرأ من آخره إلى أوله : أس أرملا إذا اعرا وارع اذا المرأ أسا ومن هذا الشعر المعكوس نوع إذا قرىء مقلوبا كلمة كلمة انقلب مدحه هجاء مثل : حلموا فما ساءت لهم شيم سمحوا فما شحت لهم منن ويكون القلب كلمة كلمة، ويتحول البيت : مِنن لهم شحّت فما سمحوا شيم لهم ساعت فما حلموا * الشعر المُلمّع : وهو الذي يكون فيه أحد نصفي البيت معجما والآخر مهملا، مثل : شفّني جفن غضيض غنج لرداح صدها طال وداما *الشعر المؤرخ : هو شعر يستخدم في تسجيل تاريخ لحدث مثل اعتلاء عرش أو ميلاد أو وفاة أحدهم أو تاريخ حرب وما الى ذلك. ويتم تأريخ هذا الحدث بابدال الحرف برقم من حساب الجمل والحروف التي سيتم ابدالها بأرقام ستكون هي الأولى من كل بيت من الشعر وبعد عدد من الأبيات يحصل التأريخ وهناك طريقة أخرى مثل احتساب حروف عجز البيت مثل : لمصابه جزع الزمان مؤرخا وبكى على حر نبيه فاضل فتاريخ وفاة المؤرخ له هو 1334 . * واضافة الى ذلك هناك أوزان مستحدثة مثل : المزدوج (وهو تصريح أبيات القصيد)، والمشطر (وهو كل شطر فيه قافية مستقلة) المثلث (وهو الذي يضمن لكل ثلاثة أشطار قافية) والمربع (لكل أربعة أشطار قافية) والمخمس (لكل خمسة أشطار قافية) والمسمطات وهو نوع يقترب من الموشح وفيه يقول امرىء القيس : وحرب وردت، وثغر سددت وعلج شددت عليه الحبالا وهناك لزوم ما لا يلزم (انظر لزوميات أبي العلاء المعري). وكذلك : التفويف : وهو وجود معان في جمل منفصلة عن بعضها مع تساويها في الوزن. مثل قول علي بن المقرب(10): ارفع وضعْ واعتزم وانفع وضُرّ وصل واقطع وقسّم ودُم واصفح وجُد وهب وهناك التشريع : وهي عملية تكون فيها زيادة للبيت، وهذه الزيادة تجعل وزن البيت نوعا واذا حذفت هذه الزيادة لا يتغير المعنى ولكن الوزن يتغير. ومثل ذلك قول صفي الدين الحلي. قوم بهم تجلى الكروب ومنهم يرجى الجدا (إن ضلت الأدواء) فنداؤهم قبل السؤال وجودهم قبل الندى (وكذلك الكرماء) فالبيتان من البحر الكامل (متفاعلن متفاعل، متفاعل) وإذا حذفنا (إن ضلت الأدواء) في البيت الأول و(كذلك الكرماء) في البيت الثاني يصير البيت من مجزوء الكامل. أما البحوث المستحدثة فنذكر منها : المستطيل الممتد محرف الرمل المتئد المنسرد المطرد والبحر الوسيم المعتمد الفريد العميد اضافة الى الموشح. أما في العصر الحديث فإن المحاولات التجريبية عديدة نذكر منها : محاولات قام بها في تونس : حسن المؤذن وتوفيق الزيدي وسوف عبيد والمنصف المزغني وكان ذلك بالملحق الثقافي لجريدة «العمل» باستثناء المزغني كما أن حركة في غير العمودي والحر وأساسا الطاهر الهمامي فقد كانت مجموعته «الحصار» مثالا للتجريبية كما قام بعمليات شعرية تجريبية بنيس في المغرب ود. عادل الفاخوري في لبنان. الشباب ودوره في الحركة الشعرية إن الشباب وما يتميز به من شحنة شعورية وتوهج عاطفي وزخم معرفي يجعله أقرب الناس إلى التفاعل مع الحركة الشعرية وهو الذي يمكن أن يستوعب الموروث ويتعامل مع المنجز ماضيا وراهنا ثم ينتقل إلى الابداع والبحث عن الجديد والطريف وبذلك يلج دائرة التجريب وحينها يقدم انجازه التجريبي ويبقى تحت المجهر وأمام عاصفة التاريخ ويتحدد مصيره : فإما أن يتحول إلى الواقع ويندمج فيه وإما أن يبقى في عداد الموروث نسخة تجريبية لا تتجاوز انتماءها الى صاحبها. ويبقى السؤال : ما دور الشعر التجريبي في مسيرة الحركة الشعرية العربية؟ انتهى المراجع 1) التوحيدي: الامتاع والمؤانسة. ج9/1، عن «مفهوم الادبية في التراث النقدي: توفيق الزيدي. دار سراس للنشر. ط1: 1985، ص: 54 وما بعدها. 2) توفيق الزيدي: مفهوم الادبية في التراث النقدي: 55، هذا وما بعده. 3) أبو زيد القرشي: جمهرة أشعار العرب تحقيق: محمد علي البجاوي. دار نهضة مصر للطبع والنشر الفجالة القاهرة 1981. ص: 98. 4) ابن سلام الجمحي: طبقات فحول الشعراء، مطبعة المدني: القاهرة 1974، وكذلك: مفهوم الادبية: 22. 5) إعجاز القرآن القاهرة: 1954، ص: 54 وما بعدها... 6) كمال أبو ديب: في الشعرية طبع مؤسسة الابحاث العربية، بيروت: 1987 ص 16. 7) في الشعرية: نفس الصفحة. 8) محمود المسعدي: الايقاع في السّجع العربي محاولة تحليل وتحديد نشر وتوزيع مؤسسات عبد الكريم بن عبد الله، تونس ط 1: 1986 ص 24. 9) محمد سعيد اسير ومحمد أبو علي : الخليل معجم في علم العروض، ص 14 104 وغيرها والأمثلة المقدمة تم جمعها من هذا المعجم.