اعتبر القضاء الاداري التونسي ان الاختصاص يعدّ من المسائل الجوهرية التي تهمّ النظام العام والتي يجب على القاضي اثارتها ولو من تلقاء نفسه، وقد استندت المحكمة الادارية في قرار لها تحت عدد 1/10330 بتاريخ 18 نوفمبر 2003، على هذا المبدأ بعدما طعن مواطن في قرار سحب رخصة سياقته. القضية مرفوعة ضدّ وزير تكنولوجيات الاتصال والنقل، وتفيد ملفاتها ان المدّعي طلب من المحكمة الطعن في القرار الصادر عن اللجنة الفنية الاستشارية الجهوية ببنزرت لسحب رخصة السياقة بتاريخ 20 نوفمبر 2001 والقاضي بسحب رخصة سياقته لمدة شهرين، ويعيب عليه خرق قواعد الاختصاص وهضم حقوق الدفاع وخرق الشكليات الجوهرية. وردّت الوزارة المعنية لتطلب رفض الدعوى أصلا استنادا إلى ان تركيبة اللجنة الفنية الاستشارية لسحب رخص السياقة شرعية وذلك عملا بمقتضيات الأمر عدد 1892، المؤرخ في 24 أوت 2000 والمنقح للأمر المؤرخ في 18 جانفي 2000 والمتعلق بضبط تركيبة ومشمولات وطرق سير اللجان الفنية الاستشارية لسحب رخص السياقة. كما بيّنت الجهة الادارية أن العارض مثل أمام اللجنة يوم 22 نوفمبر 2001 ولم يقدم تقريرا كتابيا، وأمضى على قرار السحب مثلما يتضح ذلك من القائمة الاسمية المتعلقة بالمترشحين. وأضافت ان تاريخ 20 نوفمبر 2001 الوارد بنص القرار هو مجرّد خطأ مادي تسرب إليه، محامي العارض اعتبر ان الادارة لا يمكنها الاحتجاج بالخطأ المادي، كما أضاف ان انتقاداته لا تتعلق بطريقة تبليغ القرارات بل بمضمونه إذ أنه استدعي لجلسة يوم 22 نوفمبر 2001 في حين أن قرار السحب اتخذ يوم 20 نوفمبر 2001 من جهتها ردّت الادارة واعتبرت انها وفرت مختلف الضمانات القانونية للمدّعي، كما تمّ تمكينه من نسخة من قرار السحب بعد امضائه على وصل استلام، غير ان خطأ ماديا تسرب إلى القرار المذكور ولا تأثير له على الاجراءات الأساسية وحقوق الدفاع. وبعد أن اطلعت المحكمة على القوانين المتعلقة بها وعلى القانون عدد 71 المؤرخ في 26 جويلية 1999 والمتعلق باصدار مجلة الطرقات وخاصة الفصل 95 منه، وعلى الأمر عدد 41 المؤرخ في 18 جانفي 2000 والمتعلق بضبط تركيبة ومشمولات وطرق سير اللجان الفنية الاستشارية لسحب رخص السياقة. وبعد المفاوضة القانونية رأت المحكمة الادارية ان مجلة الطرقات تنص على ان اللجنة المذكورة تصدر رأيا استشاريا غير ملزم ولا تعود لها سلطة اتخاذ القرارات، وبالتالي تكون الدعوة خاطئة من هذه الناحية، ورأت أنه بمراجعة أوراق الملف تبيّن ان القرار محلّ الطعن صادر عن معتمد الشؤون الاقتصادية بالنيابة عن والي بنزرت بتاريخ 20 نوفمبر 2001 والصواب هو 22 نوفمبر، في حين ينص الفصل 95 من مجلة الطرقات أن قرارات سحب رخص السياقة تتخذ من قبل الوزير المكلف بالنقل بعد أخذ رأي لجنة فنية تضبط تركيبتها ومشمولاتها وطرق سيرها بأمر، ويتضح على ضوء ذلك ان المشرّع أسند لوزير النقل دون سواه اختصاص اصدار قرارات سحب رخص السياقة، وفي غياب أمر لاحق لصدور مجلة الطرقات، في تفويض هذه الصلاحية إلى الوالي ثم إلى مساعديه بإدارة الولاية يكون القرار المنتقد صادرا عن جهة غير مختصة، وذلك بمنأى عن ما أثاره الطرفان والذي لا تأثير له عمّا توصلت إليه المحكمة. واعتبرت أيضا ان الخطأين الماديين المذكورين لا يؤثران على شرعية القرار المنتقد، ويتجه رفض المطعن على هذا الأساس، ولذلك قررت الدائرة الابتدائية الأولى بالمحكمة الادارية قبول الدعوى شكلا وأصلا بالغاء القرار المطعون فيه وبحمل المصاريف القانونية على الدولة.