على مدى أربعة أيام نهاية الاسبوع الماضي استقبلت مدينة دوز بوابة الصحراء الكبرى عددا كبيرا من الرسامين والفوتوغرافيين والباحثين في التراث وعلوم الابل والصحراء بمناسبة اليوم الوطني للسياحة الذي اختتمه السيد وزير السياحة التيجاني الحداد. من الجزائر... من ليبيا والمغرب ومصر... والكويت. من فرنسا وايطاليا وألمانيا واسبانيا كلهم جاؤوا الى دوز الى الصحراء تحديدا بحثا عن الصمت... الصمت سر الصحراء الابدي الذي هام به عشرات الكتاب والفنانين الاوروبيين الهاربين من صقيع المشاعر والعلاقات الانسانية الباردة بحثا عن الحرارة والدفء والعفوية... عفوية أهالي الصحراء الذين زرعوا واحات باسقة في قسوة الرمال ولا نهائيتها. الضوء... يبقى هاجسا للفنانين ومثلما سحر الضوء التونسي الفنان السويسري بول كلي قبل أكثر من قرن انبهر الرسامون الاوروبيون بضوء الصحراء... هذا الضوء الذي يستحيل أن يتوفر لهم في أوروبا. هؤلاء الرسامون جاؤوا لاكتشاف حياة أخرى حياة سكان الصحراء في عنادهم الابدي في مواجهة قسوة الطبيعة تلك القسوة التي لم تزدهم إلا حبا للناس وانفتاحا على العالم. «من أين يستمدون هذه القدرة العظيمة على الحب» هكذا تساءل الرسام الايطالي Ugo Martino الذي اكتشف لاول مرة جنوب المتوسط وكانت زيارته الاولى الى الصحراء. * لوحات اليوم الوطني للسياحة كان مناسبة لعشرات الصحفيين القادمين من أوروبا لاكتشاف لوحات من الحياة البدوية تلك اللوحات التي صنعت شهرة مهرجان الصحراء الدولي من عراك الفحول الى الصيد بالسلوي مرورا بالعرس التقليدي والمرحول لكن الاضافة التي شاهدها الجمهور لاول مرة هي لعبة كرة السلة على ظهور الابل وهذه اللعبة استهوت كثيرا الجمهور الذي صفق لها طويلا وتبقى عروض الفروسية و»المهاري» من أكثر الفقرات التي شدّت ضيوف المدينة الذين اكتشفوا في عروض ساحة حنيش الشهيرة روح الصحراء وصمتها. وإذا كانت المهاري عشق البدو ورمزا لكبريائهم بلونها الابيض وقاماتها التي تطاول السماء هذه المهاري القادمة من صحراء هار في جنوبالجزائر أصبحت عشق الفرنسيين أيضا من خلال جمعيتي DROMAS وKAMILOMEN وهما جمعيتان لاصدقاء الجمل في فرنسا أصبحت مشاركتهما تقليدية في مهرجان الصحراء الدولي. ماراطون دوز الدولي للمهاري امتد على مسافة 42 كلم وشارك فيه 40 مهريا مثلوا تونس والكويت والجزائر وليبيا ومصر وفرنسا وقد كان هذا السباق فرصة لاكتشاف قدرة المهري على قطع مسافات رملية قاسية ووعرة وهو الذي ارتبط بقصص الحب المستحيلة في الصحراء إذ كثيرا ما يلجأ العشاق الى اختطاف حبيباتهم على ظهور المهاري ليدخلوا بهن الصحراء المترامية الاطراف التي لا يقطعها إلا «مهري هاري» الذي خلّدته قصائد الشعر الشعبي وأصوات المغنين البدو قديما وحديثا مثل بلاسم بونة الذي غنى من أجمل القصائد التي تغنت بمهاري هار البيضاء. * الألوان ثلاثة أيام في مدينة دوز وضواحيها زعفران نويل الصابرية اللعة كانت بمثابة أيام من السحر... ذلك السحر الذي تملك سرّه إلا الصحراء... وكانت مناسبة لعشرات الضيوف لتذوّق دلة الصحراء وأكلاتها مثل «الملّة» والطاجين وغيرها من أكلات أهالي الصحراء كما كانت فرصة للتمتع بالموسيقى المنسابة من الآلات التي اشتهرت بها الصحراء وخاصة «الغيطة» والطبلة وبألوان ملابس عازفيها المميزة. عندما تصل الصحراء وتغرق في رمالها، تشعر أن أشياء كثيرة تغيرت فيك وأنك صرت أكثر خفة وأن روحك تعانق المطلق وتغرق في عالم خارج الزمن والدقائق والساعات. وحدها الصحراء تخلق في النفس نشوة لا تعادلها نشوة... نشوة المتصوّفة وأبناء السبيل الذين يطلقون الدنيا ويهيمون على وجوههم في الصحراء بلا دليل... إلا لقاء المطلق. تلك هي الصحراء في اليوم الوطني للسياحة الذي نظمه مهرجان الصحراء الدولي برعاية وزارة السياحة والاتحاد العربي لرياضة المهاري.