توالت التحاليل والمواقف المتضاربة منذ قرار تونس تأجيل انعقاد القمّة العربية على أراضيها ومن خلال ذلك تبين ما تعانيه هذه الأمة العربية سواء على الصعيد الرسمي أو الصعيد الشعبي من ضبابية في الرؤية ومتاجرة بعواطف الناس تارة ولعب دور النّعامة تارة أخرى. ولسائل أن يسأل هل كان بالامكان أن تغضّ تونس البلد المضيف الطرف عن واقع مرير تعيشه الشعوب العربية وتتخبّط فيه ولا تجد لنفسها منه مخرجا. وكان لابد من الاصداع بالحقيقة حتى تحصل الصدمة المرجوة ونصحو من سباتنا العميق. لقد اتسمت مواقف الرئيس زين العابدين بن علي منذ انبلاج فجر السابع من نوفمبر بالجرأة والحكمة والاعتدال والاستماع إلى صوت العقل وذكّرني موقفه الرصين الذي وصفه بعض المناوئين وهم يصطادون في الماء العكر بالموقف المفاجئ وهو لعمري غير مفاجئ بالمرة لأن كل الشرائح التونسية وأصحاب الضمائر الحية في كامل الوطن العربي كانوا ينتظرون منه هذا الموقف الشجاع الجريء. ماذا ترانا سنفعل أمام بعض يصدع بدون حياء ان هناك دولا صغيرة يجب أن تستكين وتنكفئ على نفسها وان لا تنبس ببنت شفة ودولا كبيرة يجب أن تتحكّم في الأعناق وتملي الأوامر لكي تنفّذ من دون نقاش. ماذا سنفعل وقد ملأ السيل الزبى: قمم تتوالى وقراراتها توضع على رفوف الجامعة العربية دون تنفيذ وروائحها النّتنة تقزّز أنوفنا بحسب وصف صاحب برنامج «الاتجاه المعاكس». وليس بالعهد من قدم: قمّة بيروت نتج عنها ذبح من الوريد إلى الوريد للقضية الفلسطينية تلتها قمّة شرم الشيخ التي نتج عنها احتلال العراق العظيم وتمزيقه ورميه في أتون من نار. لقد ارتأت تونس أن تتقدّم بمقترحات عملية تخرجنا من دائرة القفر إلى دائرة الفعل وقد استلهمت ذلك من خلال مقاربتها الرائدة في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان وتدعيم مكانة المرأة وتفعيل مكونات المجتمع المدني. فالمكابر هو الذي لا يعترف بما حققته تونس في مجال الديمقراطية وآخرها التنقيحات الدستورية التي أعطت للمعارضة حوافز كثيرة كانت نابعة من ارادة سياسية خيّرة تتطلع إلى بناء مستقبل مشرق لهذا الوطن. وأعطت لسلطة القانون المكانة المرموقة التي تليق به وخلقت ديناميكية جديدة في مكونات المجتمع المدني. وكان لابدّ لقائد فذّ ثاقب البصيرة موصوف بالحكمة والاعتدال وهو يلحظ أن المركب يترنّح وهو قاب قوسين أو أدنى من الغرق أن يقول (لا) لينقذ المركب من مصيره المحتوم ويزرع الأمل مرة أخرى في النفوس الجريحة المكلومة التي أصابها الاعياء حتى الغثيان من هذا النفاق الأسود الرّخيص. لقد أراد «زين العرب» مثلما يحلو ل (أبو عمّار) أن يدعوه بهذا الاسم الجميل ان يبني مترا واحدا سليما صلدا في مسافة الألف متر. ويترك الأراجيف جانبا ويواجه الواقع بكل صدق واخلاص دون مواربة ديدنه الوحيد وضع اللّبنة الأولى لبناء صرح شامخ لهذه الأمة المعطاءة التي حتى لو صبّت عليها جهنّم ستبقى شجرة سرو واقفة شامخة صامدة. ان ما أريد اخفاؤه خلال أحقاب عمل الجامعة العربية الطويلة منذ تأسيسها حتى الآن والذي يمسك بأوراقه ما يسمى بعمالقة العرب قد ولّت تلك الأحقاب بدون رجعة ولا مكان اليوم للسمسرة والضحك على الذقون مثلما يقول اخوتنا المشارقة. يومنا اليوم يوم الأمر وانتهى يوم الخمر. لابد أن نتكاتف لننخرط في المسيرة الانسانية التي تتسارع وتيرتها يوما بعد يوم وإذا تخلّفنا سيصبح البون شاسعا جدا بيننا وبين البلدان المتقدمة. ووجلي الشديد انه لو استمررنا في سباتنا وأنهمكنا في خلق القبّة من الحبّة ثم نريد أن نستفيق بعد ذلك من غفوتنا سيهتف لنا عربي وهو في قبره منذ العهود السحيقة. (الصيف أيّها العرب ضيّعتم اللبن) فكفى النّعامة تستّر... ! محمد نجيب روين مدير الحي الجامعي المروج