تمكن المعهد الاعلى لتاريخ الحركة الوطنية منذ تأسيسه من التوفيق بين الامانة العلمية في التعاطي مع الاحداث التاريخية المرتبطة بالنضال الوطني، ونشر المعلومات ذات العلاقة، وتوثيقها وتبويبها، وتصنيفها خدمة للباحثين في هذا المجال. لكن ما هي المهام الاصلية لهذا المعهد؟ وما هو مصير الارشيف الاجنبي المتعلق بالفترة الاستعمارية وخاصة الفرنسي منه؟...وماذا عن الانشطة والتظاهرات واللقاءات التي يقوم بها المعهد دوريا لدعم البحث والتدقيق في تاريخنا النضالي ضد الاستعمار الغاشم. وقبل الدول في الاجابات وتفاصيلها على لسان مدير المعهد الاستاذ محمد لطفي الشايبي وجبت الاشارة الى أن محدثنا أستاذ محاضر، حاصل على شهادة الكفاءة في البحث حول الفيدرالية الاشتراكية في تونس إثر الحرب العالمية الثانية (من 1945 الى 1952)، وشهادة دكتوراه ببحث عن الاشتراكيين الفرنسيين وسياسة تصفية الاستعمار بتونس. وهو بصدد إنجاز كتاب عن تاريخ الجنوب التونسي (بني زيد مثالا) بعنوان اشكاليات علاقات قبيلة بني زيد بواحة الحامة والسلطة المركزية وانخراطها في العمل الوطني من 1881 الى 195تضحيات الشهداءوكان سؤالنا الاول للاستاذ محمد لطفي الشايبي مرتبطا بالحدث حيث نحتفل هذه الايام بالذكرى 66 لحوادث 9 أفريل 1938 الخالدة. فما هي دلالات الحدث بالنسبة للمعهد وما هي اسهاماته في تدوين بطولات شهداء الحركة الوطنية؟ يقول مدير المعهد: «الاحتفال بعيد الشهداء يندرج في إطار النشاط الدوري لمعهد تاريخ الحركة الوطنية الذي من مهامه توثيق تاريخنا النضالي توثيقا علميا (معارك، عدد الشهداء من انتصاب الحماية الى معركة بنزرت، والفترة التاريخية للاستعمار حتى إعلان الاستقلال التام بكافة مراحلها). وهناك محطات لابد من التعريف بها، والتركيز عليها لاعطاء فكرة واضحة عن تضحيات الشهداء في سبيل الوطن. فالاحتلال الفرنسي واجهته منذ البداية مقاومة شعبية في الارياف وداخل القرى والمدن التونسية، واستعملت القوة الغازية كل إمكانياتها اللوجستية للقضاء على أي انتفاضة أو مقاومة عفوية. وقد نظم المعهد أول ندوة دولية لرصد ردود الفعل حول الحماية الفرنسية. ثم ظهرت حركة الشباب التونسي (1907) وهي النواة الاولى للتنظيم لتفرز بعدها الحزب الحر الدستوري التونسي أول حزب يؤطر حركة المواجهة والرفض لسلطة الاحتلال». ويضيف الاستاذ محمد لطفي الشايبي قائلا: «إثر هذه المحطة دخلت البلاد التونسية مرحلة انتصاب الحماية وكان أول رد فعل ثقافي وسياسي عن طريق صحيفة الحاضرة التي أنجز حولها الزميل علي العريبي الاستاذ بكلية العلوم الانسانية والاجتماعية دكتوراه كاملة رصد فيها المواضيع والقضايا التي تناولتها الصحيفة. وإثر هذه المرحلة عرفت البلاد ردود فعل عنيفة بدأت بإضراب طلبة جامع الزيتونة عام 1910 وتواصلت الى فترة ما بين الحربين وكان الشهداء يسقطون في كل مرة دفاعا عن الوطن (انتفاضة الجنوب التونسي). وعندما انتصرت فرنسا في الحرب قدمت السلطة الاستعمارية بعض التنازلات تم على إثرها تكوين الحزب الحر الدستوري التونسي، لكن سرعان ما تأزمت الاوضاع وخاصة أثناء تأسيس جامعة عموم العملة التونسيين بقيادة محمد علي الحامي، ثم جاءت أحداث التجنيس وسقط الشهيد شعبان البحوري (7 أوت 1933) دفاعا عن هوية البلد. ورغم انفتاح فرنسا إثر انتصار أحزاب اليسار في الانتخابات عادت الاوضاع لتتأزم من جديد بعد فترة قصيرة بسبب حزب المعمرين المسؤول الاول عن فشل تجربة الحوار مع الحزب واندلعت عدة حوادث أسفرت عن سقوط المزيد من الشهداء. وبعد تأسيس الحزب الجديد دخلت النخبة السياسية في مواجهة مفتوحة مع المستعمر وجاءت المعركة الحاسمة وسقط الشهداء في 9 أفريل 1938 ثم بداية من 1952 الى أن انطلقت المفاوضات للحصول على الاستقلال الداخلي ثم الاستقلال التام، ثم تواصل النضال وسقوط الشهداء في معركة بنزرت وجلاء آخر جندي عن أرض الوطن».أرشيف هامهذه المحطات التاريخية تستوجب بحثا أرشيفيا مهمّا من أجل إعطاء عمليات البحث والدراسة بعدها العلمي، فما هي الخطوات التي اتخذها المعهد لتوفير المادة الارشفية الضرورية؟ يجيب الاستاذ محمد لطفي الشايبي: «مهمة المعهد هي توثيق تاريخ الحركة الوطنية توثيقا علميا خوفا من اندثار أو ضياع جانب من الذاكرة الوطنية. وتوجد عدة وثائق مكتوبة وشفوية على ذمة المؤرخ، ومن أبرز الوثائق المكتوبة هي الوثيقة الارشيفية وأول مصدر في هذا المجال هو المصدر الفرنسي. وفي إطار التعاون بين الحكومتين التونسية والفرنسية تم قبول مبدأ تصوير الارشيف الفرنسي المتعلق بهذه المرحلة وبعث ما سمي بالبرنامج القومي للبحث حول تاريخ الحركة الوطنية وكانت مهمته تكوين فرق من الباحثين لفرز ما يمكن تصويره بفرنسا، ووقع إثر هذه العملية اختيار أربع مراكز للارشيف (الارشيف العسكري المصلحة التاريخية لجيش البر الفرنسي بقصر فانسان الارشيف الديبلوماسي الذي كان موجودا بوزارة الخارجية ثم انتقل الى مركز الارشيف الديبلوماسي بنانت تقارير الاقامة العامة الفرنسية مركز الارشيف الوطني الفرنسي ومراكز ما وراء البحار بآكس أون بروفانس. كما يوجد أرشيف أجنبي آخر ايطالي وألماني وهناك مساع لجلب هذا الارشيف حتى تكتمل الصورة. لكن ماذا عن الارشيف الخاص باغتيال الزعيم فرحات حشاد مثلا وما هي كمية الارشيف التي جمعها المعهد الى حد الآن؟ يقول محدثنا: «لابد من الاشارة الى أن المعهد هو المسؤول الوحيد عن جمع ونسخ الارشيف الخاص بالحركة الوطنية من مصادره الاصلية ووضعه على ذمة الباحثين وما يقع نسخه هو المسموح به حاليا. وفي ما يخص اغتيال فرحات حشاد يبدو أن الحكومة الفرنسية أذنت فعلا بفتح أرشيف اغتيال الزعيم المذكور بعد المساعي التي قام بها نجله نور الدين حشاد. أما كمية الارشيف التي تم جمعها ونسخها فهي في حدود مليوني وثيقة».نشاط مكثفويختم الاساذ محمد لطفي الشايبي حواره معنا بفكرة مفصلة عن دور المعهد الذي يديره والانشطة المتعددة التي قام بها في الفترة الاخيرة: «يصدر المعهد دوريا أعمال الندوات التي ينظمها وهو يستعد حاليا لتنظيم ندوة دولية في ماي القادم (من 6 الى 8 ماي 2004) بنزل الديبلوماسي وعنوانها الجنوب التونسي من الاحتلال الى الاستقلال. كما يصدر المعهد مجلة روافد ومجلة وثائق التي تواكب عملية تصوير الوثائق الفرنسية، وتستخرج منها مواضيع تعرض للدرس والاطلاع. ويضاف الى هذه الاصدارات المذكرات الخاصة ببعض الزعماء والمناضلين، الى جانب الشروع في اصدار سلسلة مناضل وأثره وكان أول عدد باسم الزعيم الطاهر صفر وتم إقرار أربع شخصيات أخرى ستصدر دراسات عنها في نفس السلسلة: «الهادي نويرة محمد علي الحامي عبد العزيز الثعالبي علي باش حامبة).