اختتم مهرجان ربيع الفنون الدولي بالقيروان أعماله وتضمن شهادة شخصيات فنية وأدبية وثقافية ومن أبرزها شهادة الروائي السوري حنّا مينة الذي تحدث ل»الشروق» في الحوار التالي: * أولا مرحبا بك في القيروان، وكم من مرة زرتها؟ لقد جئت إلى القيروان عديد المرات لأني أحبها والدليل أني قطعت رحلة دبي حيث كنت أشارك في ندوة الرواية العربية ضمن فعاليات مهرجان الامارات الثقافي لأشارك في مهرجان ربيع الفنون. * صراحة كيف وجدت هذا المهرجان من كل الجوانب؟ وجدته ناجحا منظما رائعا بفضل جهود القائمين على إحيائه، وسأقول لك شيئا فيه غرور، وقل على لساني: «إني مغرور وأحب غروري» فقد كان المهرجان نائما وأنا الذي أيقظته، كان فيه اللطف الزائد من الذين حضروه من بلدان عربية عديدة وكان فيه العتب غير المبرر من بضع الذين حضروه، وكان فيه الكلام همسا، والمتكلمون قد حفظوا دروسهم جيدا وقرؤا على الجمهور مرافعاتهم قراءة تشبه تسميع الدروس في مدرسة ابتدائية. وبسبب هذا فقد كان المهرجان يتخذ طابعا رسميا، مستندا الى قاعدة من الوقار النبيل ومن النعومة الملساء تنفع قليلا لكنها لا تصنع للحاضرين متعة. والمهرجان ناجح نجحا ملحوظا ومشكورا لكنه كان بحاجة إلى من يتكلم بصوت مرتفع وبمصارحة لا روغ فيها ولا زوغان. * إذن ما سرّ تفاعل الجمهور معك خلال المجلس الثقافي؟ لقد جئت لأخالف كل القواعد التقليدية التي مجدتها المهرجانات، حيث جئت مجنونا وحضرت بجنون أكبر وهذا ما أسعد الجمهور الذي ملّ العقل والعقلاء وكان ينتظر مثلي كي تدبّ الحياة والحماس والتجاوب بعواصف من التصفيق. في رأيي المهرجان كان ناجحا وهو إحدى التظاهرات الثقافية المتعددة في تونس على أشكال مختلفة وكلها خدمة للثقافة التي تتقدم الآن بعد أن تراجعت السياسة الى الوراء. وأغتنم هذه المناسبة لأعبر عن شكري لمن فكروا في إقامة هذا المهرجان وسهروا على نجاحه وإرضاء كل الذين حضروه كضيوف وتحلوا بالصبر حتى تحقق هذا النجاح بثمن من الصبر الجميل وقد قال المعلم «ابراهيم اليازجي» «يا بائع الصبر لا تشفق على الشاري فدرهم الصبر يسوى ألف دينار». وصبر القائمين على إنجاح هذا المهرجان يساوي ملايين الدنانير وهذه شهادتي. * ماذا تقصد بالضبط؟ أنا لست مكلفا بشرح الكلام فاليفهمه الناس كما شاؤوا أن يفهموه لأنه كلام عربي مبين وصفته ما عشته وما رأيته في هذا المهرجان ومن كانت له أذنا للسمع فاليسمع. * كروائي عربي ما هو رأيك في التنظير للرواية والقصة؟ أنا روائي ولست منظّرا للرواية ولست ناقدا لها بل متذوقا، ومن هذا التذوق أؤكد أن الرواية العربية بخير وأنها على مستوى الرواية العالمية، وإذا كانت لم تنشر عالميا بالقدر الذي انتشرت فيه بأمريكا اللاتينية روايات قارسيا ماركيز خصوصا، فذلك يعود الى أن الصهيونية تستولي على أجهزة الاعلام في الغرب. * والرواية العربية؟ الرواية العربية ترضخ ما تفعله في فلسطين الجريحة وفي العراق المحتل وهذه الرواية هي التي أبقت القضية الفلسطينية حية منذ نكبة 1948 رغم كل ما بذلته الصهيونية والامبريالية العالمية لقتل هذه القضية ودفنها، وفي رأيي الرواية العربية قد أدت في هذا المجال دورا متميزا وصادقا ونابعا من قلب الشعب والوطن. * هل يتجاوز رأيك في هذا المجال حقّ غيرك؟ أنا لم أقل أو أزعم أن الرواية هي التي صنعت هذه المعجزة لأنني أعرف معرفة اليقين أن الذين أبقوا القضايا العربية حية هم كل المبدعين العرب لأي أدب عربي وإذا كانت ا لآية الكريمة تقول: {وَإذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئلَتْ بأيِّ ذَنْب قُتلَتْ} فإنني أجيب أن القضية العربية بفضل الكتاب العرب لم تكن بالموؤودة، والسؤال عن ذنب الذين وعدوها أو جرّبوا أن يعيدوها فإن ذلك يعود الى آخرين غير الكتاب الذين من واجبهم أن يطرحوا القضايا طرحا صحيحا وهذا واجبهم. إن المبدعين لا يغيرون ويكتفون بما هو حاصل بطرح القضية طرحا موضوعيا صادقا وعلى المنظمات أن تتلو هي التغيير المنتظر. وهذا التغيير آت لا ريب فيه وكما قال المتنبي : «نحن أدرى وقد سألنا بنجد أطويل طريقنا أم يطول» وأنا أقول أن طريقنا طويل ومتطاولا وعلى المناضلين ألا يقعوا في فخ اليأس الذي يريدوه الصهاينة الذين اغتصبوا الحقوق. * بالإضافة لفلسطين حسب رأيك ما هي أبعاد احتلال العراق؟ كنا على دراية أن هناك ما هو أفظع في الجريمة من خلال احتلال الأراضي ولم نكن رافضين أن هذا المحتل سيكون أمريكا بكل أساطيلها وجيوشها، لكننا لمّا كنسنا المحتلين الفرنسي والانقليزي والايطالي وغيرهم سنكنس المحتلين الأمريكيين الذين زعموا أنهم جاؤوا لتحرير العراق وصحفهم أنفسها تقول أنهم جاؤوا لاحتلال الأرض واستغلال النفط والتوسع في رقعة الاحتلال حتى تطال الوطن العربي كلّه.. لا بأس لقد ولدنا في النضال ولن نخون هذا النضال يوما.. أمريكا لن ترتاح في العراق ولا في أفغانستان وتفرّدها بالسيطرة على العالم لن يدوم طويلا لأن هناك قوى في أوروبا سيكون لها دور حقيقي منظور منذ الآن في إنهاء تفرّد أمريكا بالعالم.. ونحن في كفاحنا ضدّ المحتلين من كل الأجناس الغربية لن نيأس وسننتصر ولم يسكرنا النصر. * في تصريحاتك الصحفية السابقة، اجترأت على الجنس في سياق الحديث وقلت أن الجنس وحده قاهر الموت، فكيف ذلك وبه كانت بداية التاريخ؟ حنّا مينة سفير جهنّم إلى العالم السفلي، وكما يشار لكون أن يحرّر العبيد.. فحنّا يعمل لتحرير الذين هم في العالم السفلي، لا من خلال الصراخ، فالصراخ يقتل الفن، بل من خلال تقديم حقائق بدلائل الأحداث الروائية، وقد قلت أن التاريخ يبدأ مع الجنس ومرة أخرى أؤكد هذه المقولة قبل حواء وآدم والتفاحة لم يكن هناك تاريخ، التاريخ بدأ مع أكل التفاحة والقراء يقولون ما معنى التفاحة وأنا لست بكاتب جنس، لكنه يأتي في السياق، وقد قال الناقد والمفكر الكبير «جورج طرابيشي» أن حنّا يتمرد على الجنس كما لم يفعل غيره.. وهذا صحيح لأن الجنس هو قاهر الموت. تصوّر أن هناك عبر الدهور لم يكن جنس.. لم يكن خصب.. لم يكن تناسل «للذراري» فكيف كانت الأرض تعمل بالذراري دهرا بعد دهر.. * الجنس قاهر الموت بالفعل؟ الجنس قاهر الموت؟ نعم الجنس وحده قاهر الموت في المقولة الفلسفية نفي النفس أن الحياة تنفي الموت والموت ينفي الحياة وتأتي الحياة.. وانطلاقا من هذه القاعدة أقول أن الخير يصرع الشرّ ويعود الشرّ فيصرع الخير، ويعود الخير فيصرع الشرّ وهذه قاعدة في الحياة، أما ما يريد بعض السادة المنمّقين من الذين يزعمون أنهم يتعاطون مع الواقع فإنني أجيبهم هذا تضليل غير لائق لأن الفلسفة اليونانية نفسها قالت «لا شيء يخرج من لا شيء» والشيء هنا هو الواقع والأساس ومنه خرجت كل الأجناس الأدبية والطبية. * وختاما ماذا تقول ؟ تحياتي القلبية الصادقة لتونس وللقيروان ولمهرجان ربيع الفنون بالقيروان الذي كان ناجحا في رأيي نجاحا مرموقا قياسا بالمهرجانات الكثيرة التي حضرتها وعرفت خفاياها وأسباب نجاحها أو فشلها وأشكر جريدة «الشروق» هذه الصحيفة التي تحظى بشعبية كبيرة في تونس وخارجها.