أظهرت دراسة اقتصادية حديثة أن الاستثمارات والمشاريع مازالت ممركزة في المناطق الساحلية التونسية رغم الحوافز والتشجيعات التي أقرتها الحكومة لدفع لا مركزية هذه الاستثمارات وتوجيهها أكثر نحو المناطق الداخلية. وتستحوذ مناطق الشريط الساحلي التي تضمّ نحو 20 من السكان على قرابة 18 من مجموع المؤسسات المحدثة فيما ظلّت تونس العاصمة حسب الدراسة التي أعدّها الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية القطب الأول في استقطاب رؤوس الأموال والفرص الاستثمارية والاقتصادية وأيضا في احتضان هياكل ومؤسسات دعم المبادرة الخاصة. ويمثل اقليمتونس الكبرى الذي يضمّ ولايات تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة وحده 31.55 من مجموع المؤسسات الاقتصادية حيث يضمّ هذا الاقليم نحو 218 ألفا و909 من الوحدات الصناعية. وتحتل ولاية صفاقس المرتبة الثانية باستقطابها لنحو 8.85 من المؤسسات المحدثة وتأتي بعد ذلك ولاية نابل التي تحتضن 6.37 من الإحداثات فسوسة التي تضمّ 5.64 منها. وتؤكد الدراسة بذلك أن أكثر من نصف المؤسسات المحدثة يعود أساسا الى الولايات السبعة الكبرى (أي ولايات إقليمتونس الكبرى مع صفاقسونابل وسوسة) في حين تتشارك ولايات الوسط والجنوب فيما تبقى من حصّة المؤسسات المحدثة، تحتل ولاية مدنين موقع الصدارة في هذه المجموعة حيث تحتل المرتبة التاسعة مباشرة بعد ولاية المنستير التي تضم 4.47 من الإحداثات: وفي آخر الترتيب تأتي ولاية توزر التي لا تضم سوى 0.97 من الاستثمارات وتطاوين التي تحتل المرتبة قبل الأخيرة باستقطابها 1.16 فقط من الاستثمارات والمشاريع المحدثة. ومقابل ذلك تحتل ولاية جندوبة مرتبة وسطى حيث تستقطب 3.29 من الاستثمارات بفضل تطوير بنيتها الأساسية. * تأثيرات واعتبرت دراسة اتحاد الأعراف أن تمركز الأنشطة ومؤسسات وهياكل الدعم بالعاصمة وبالمراكز الكبرى للبلاد أثر سلبا على تطوّر الاستثمارات بالمناطق الداخلية وهو ما يدعو الى تقييم أداء جهاز دعم الاستثمارات وإحداث المؤسسات وإعادة النظر في هذا الأداء من حيث نظام الدراسات والاعلام الذي تعتمده هياكل الدعم في التدخل لفائدة المستثمرين ومن حيث اصلاح آليات التدخل وملاءمتها مع تطور وحاجيات المستثمرين والباعثين إلى جانب الرفع من درجة التعاون والتنسيق فيما بين الهياكل وتعصير آلياتها ووسائلها في التدخل حتى تستجيب لطلبات المستثمرين والباعثين في كل الجهات. واعتبرت الدراسة أيضا أن حالة البنية الأساسية تعدّ من أبرز الأسباب التي ساهمت في تعثر حركة الاستثمار خصوصا في المنطقة الغربية وفي جنوب البلاد وهو ما يستوجب الاهتمام بهذا الجانب. ودعت الدراسة خاصة الى تمكين المناطق الداخلية من بنيات أساسية على شاكلة المناطق الأخرى حتى يقبل الباعثون على الاستثمار فيها وذكرت على وجه التحديد ولايات جندوبة وسليانة والكاف والقصرين وقفصة ومناطق الجنوب وخصوصا قبلّي وتوزر التي تفتقر الى الوسائل والأطر الملائمة لتثمين الموارد المتاحة بها. وخلصت الدراسة الى أن خلق محيط ملائم للتنمية الجهوية ولحفز المستثمرين والباعثين يتطلب تحقيق اللامركزية في الاستثمارات التي تعتمد على مبدإ متابعة النموّ جهة بجهة. كما أن التحرّك الاقتصادي في الجهات يستوجب جملة من الاصلاحات الأخرى منها تطهير وتسوية الوضعيات العقارية في المناطق الصناعية وتنشيط مجموعات الدعم والاسناد بهذه المناطق علاوة على تكثيف وتنويع وسائل النقل الرابطة بين المناطق الصناعية والمناطق السكنية بغاية تسهيل عملية تنقل الشغالين والعمال والتصدّي لظاهرة «الغيابات».