عاجل/ بوزغاية يكشف كواليس ايقاف كل من سنية الدهماني وزقروبة ويؤكد بأنه لا حصانة لدار المحامي..    العجز التجاري لتونس يتقلص    عاجل/ حادثة حجب العلم: طلب جديد من الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات    الإعداد لتركيز نقاط بيع نموذجية للمواد الاستهلاكية المدعمة بكافة معتمديات ولاية تونس    قضية انستالينغو :محكمة التعقيب تقرر تاجيل النظر    فستان ميغان ماركل يقلب مواقع التواصل الاجتماعي ؟    الخميس القادم.. اضراب عام للمحامين ووقفة احتجاجية امام قصر العدالة    كل التفاصيل عن تذاكر الترجي و الاهلي المصري في مباراة السبت القادم    بعد تغيير موعد دربي العاصمة.. الكشف عن التعيينات الكاملة للجولة الثالثة إياب من مرحلة التتويج    جندوبة: حجز مخدّرات وفتح تحقيق ضدّ خليّة تنشط في تهريبها على الحدود الغربية للبلاد    الرابطة الأولى: الكشف عن الموعد الجديد لدربي العاصمة    النادي الإفريقي يكشف عن تفاصيل تذاكر مواجهة النجم الساحلي    كأس تونس: تحديد عدد تذاكر مواجهة نادي محيط قرقنة ومستقبل المرسى    أوّل أمريكيّة تقاضي أسترازينيكا: "لقاحها جعلني معاقة"    أول امرأة تقاضي ''أسترازينيكا''...لقاحها جعلني معاقة    سوسة: تفكيك شبكة لترويج المخدرات والاحتفاظ ب 3 أشخاص    باجة: خلال مشادة كلامية يطعنه بسكين ويرديه قتيلا    عقوبة التُهم التي تُواجهها سنية الدهماني    تركيز نظام معلوماتي للتقليص من مدة مكوث البضائع المورّدة بالمطار ..التفاصيل    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الثلاثاء 14 ماي 2024    المندوبية الجهوية للتربية ببن عروس ..9283 مترشحا لامتحان باكالوريا دورة جوان 2024    المندوبية الجهوية للتربية ببنزرت...الملتقى الجهوي للمدارس الرقمية في دورته الثانية    تونس: 570 مليون دينار قيمة الطعام الذي يتم اهداره سنويّا    عاجل/ مستجدات الكشف عن شبكة دولية لترويج المخدرات بسوسة..رجلي اعمال بحالة فرار..    تحذير من الديوانة بخصوص المبالغ المالية بالعُملة الصعبة .. التفاصيل    9 جرحى في حادث مرور على مستوى طريق مطار تونس قرطاج..وهذه التفاصيل..    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة ..«عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    المعهد النموذحي بنابل ...افتتاح الأيام الثقافية التونسية الصينية بالمعاهد الثانوية لسنة 2024    البنك الدولي يؤكد استعداده لدعم تونس في تنفيذ البرامج الاقتصادية والاجتماعية    مدنين: انقطاع في توزيع الماء الصالح للشرب بهذه المناطق    عاجل : أكبر مهربي البشر لأوروبا في قبضة الأمن    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على غزة الى أكثر من 35 ألف شهيد وأكثر من 79 ألف جريح..    بقيمة 25 مليون أورو اسبانيا تجدد خط التمويل لفائدة المؤسسات التونسية    هام/هذه نسبة امتلاء السدود والوضعية المائية أفضل من العام الفارط..    نقابة الصحفيين تنعى الزميلة المتقاعدة فائزة الجلاصي    منها زيت الزيتون...وزير الفلاحة يؤكد الاهتمام بالغراسات الاستراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي ودعم التصدير    الاحتفاظ بنفرين من أجل مساعدة في «الحرقة»    مع الشروق ..صفعة جديدة لنتنياهو    غوغل تطلق تحديثات أمنية طارئة لحماية متصفح Chrome (فيديو)    بادرة فريدة من نوعها في الإعدادية النموذجية علي طراد ... 15 تلميذا يكتبون رواية جماعية تصدرها دار خريّف    مبابي يحرز جائزة أفضل لاعب في البطولة الفرنسية    برشلونة يهزم ريال سوسيداد ويصعد للمركز الثاني في البطولة الإسبانية    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الطواقم الطبية تنتشل 20 شهيداً جراء قصف للاحتلال الصهيوني على منازل جنوب قطاع غزة    الهند: مقتل 14 شخصاً بعد سقوط لوحة إعلانية ضخمة جرّاء عاصفة رعدية    المدير العام لوكالة احياء التراث والتنمية الثقافية : التشريعات الجارية المنظمة لشؤون التراث في حاجة الى تطوير وإعادة نظر ثقافة    نابل..تردي الوضعية البيئية بالبرج الأثري بقليبية ودعوات إلى تدخل السلط لتنظيفه وحمايته من الاعتداءات المتكرّرة    القصرين : عروض الفروسية والرماية بمهرجان الحصان البربري وأيام الإستثمار والتنمية بتالة تستقطب جمهورا غفيرا    وزارة الشؤون الثقافية: الإعداد للدّورة الرّابعة للمجلس الأعلى للتعاون بين الجمهورية التونسية والجمهورية الفرنسية    سليانة: تقدم عملية مسح المسالك الفلاحية بنسبة 16 بالمائة    جراحة التجميل في تونس تستقطب سنويا أكثر من 30 ألف زائر أجنبي    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    وفاة أول متلقٍ لكلية خنزير بعد شهرين من الجراحة    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشروع الوطني الجديد بعد الثورة الحلقة 1 من 3 نهاية جيل وسقوط رؤية - بقلم الحبيب بوعجيلة
نشر في الفجر نيوز يوم 19 - 03 - 2012

نزعم في تأويلنا للراهن السياسي التونسي أن " ترحيل بن علي " الذي فرضته الثورة الشعبية مساء 14 جانفي 2011 قد سهلته " تكتيكيا " اغلب القوى المعنية بإنقاذ " النظام ومشروعه المجتمعي الحاكم في تونس" منذ 1956 . ونفترض أن القوى المعنية بهذا الهدف تتوزع على الصعيد المحلي و الدولي وتتنوع في طبيعتها الاجتماعية و الطبقية و تتقارب في رؤيتها الوجودية و الثقافية و تلتقي تماما في الحرص على استمرار " النظام " الذي جعلته بمكر تاريخي مرادفا لمفهوم " الدولة التونسية " التي تم اختزالها في " المشروع السياسي و الثقافي " الذي حكم البلاد على امتداد المرحلة " ما بعد الكولونيالية " لغاية في نفس المصرين على " تحديد " مسبق لخصائص و مقومات " من يحكم تونس " ماضيا وحاضرا و مستقبلا .و ندعي في فهمنا للتجاذبات السياسية حاليا أن جوهر الصراع هو- في آخر التحليل - خلاف ضمني بين تيار يهدف إلى استكمال سقوط " النظام " بصياغة المشروع الوطني الجديد ( رغم الاختلاف في مفرداته ) في مقابل قوى متنوعة يجمعها الخوف من " الحكام الجدد " و تحركها هواجس مختلفة تتراوح من " الايديولوجيا " إلى " المصالح الاجتماعية " أو الحزبية و الشخصية .
لقد حسم الصراع أواسط الخمسينات لصالح الجناح البورقيبي في مواجهة الجناح اليوسفي والمؤسسة الزيتونية و استقر الحكم في تونس بين أيادي " مركب اجتماعي ثقافي " بقيادة زعيم وحزب وعدد من المنظمات الاجتماعية المنحازة إلى مشروع مجتمعي ذي نزعة " كوزموبوليتية " لا يرى حداثة تونس إلا في مدى قربها من " المركز الاروبي " و انفصالها المطرد عن فضائها العربي و الإسلامي. ولم تكن الأزمات التي شهدها " النظام الحاكم " على امتداد الستينات و السبعينات سوى توترات داخلية بين مكونات المنظومة نفسها فصراع الزعيم وحزبه مع الاتحاد العام التونسي للشغل أو مع الشق " الديمقراطي " داخل حزب الدستور أو حتى مع " اليسار" كان صراعا لم يضع المرتكزات الاجتماعية والثقافية لهذه المنظومة موضع مراجعة جذرية .
و يمكن القول إن ظهور وتعاظم " الظاهرة الإسلامية " بداية الثمانينات هو الإعلان الرسمي على دخول " المنظومة الحاكمة " في معركة الدفاع على " شرعيتها " المهددة مع خصم يضع " مسلمات " المنظومة نفسها موضع مراجعة . ستظهر " الحركة الإسلامية " منذ الثمانينات بمثابة " ثار تاريخي " بدا يطل برأسه ليؤكد بوضوح أن صراع الخمسينات لم يحسم أبدا . لا شك أن ذلك الصراع قد خفت إلى حين بحكم الضرورة التاريخية و طبيعة التوازنات الدولية الجديدة في العالم العربي و الإسلامي بعد موجة الاستقلالات الوطنية في أجواء الحرب الباردة و لكنه بقي صراعا دائما ومستمرا في أعماق " مجتمع " لم يتقبل أسلوب ومضمون الحسم " البورقيبي " لقضايا الهوية الوطنية في علاقتها بالعروبة و الإسلام والحداثة وعلاقة الاستقلال الفعلي بالتبعية المقنعة .
ستظهر أزمة " النظام التونسي " في أواخر الثمانينات شاملة و قد كان واضحا أن شرعيته قد تصدعت في مستوياتها المختلفة السياسية و الاجتماعية و الثقافية و من هذا المنطلق كان " بيان 7 نوفمبر 1987 " محاولة لتجديد الشرعية السياسية عبر الاعتراف بنهاية عصر الحكم الفردي و الرئاسة مدى الحياة و لكن " البيان " مثل كذلك اعترافا بضرورة مراجعة "المسلمات " الاجتماعية و الثقافية للمنظومة الحاكمة ومن منطلق هذا الاعتراف نفهم قبول "القيادة الجديدة " للمنظومة نفسها بتجديد أسس التعاقد بين الدولة والمجتمع من خلال صياغة " الميثاق الوطني " الذي تضمن للمرة الأولى في عهد " دولة الاستقلال البورقيبية / النوفمبرية " إمضاء الفصيل الإسلامي دون " اسمه الرسمي " تعبيرا عن منسوب الاستعداد لمراجعة " المنظومة " بمرتكزاتها الجوهرية .
لكن الأحداث اللاحقة لانتخابات 1989 ستبين سريعا وقبل أن يجف حبر " البيان " و "الميثاق " أن تيار "التحديث" البورقيبي و أنصاره من داخل منظومة الحكم وخارجه لن يتمكن من استيعاب حتميات الصياغة الجديدة للمشروع الوطني البديل على قواعده الصلبة التي يقتضيها التأليف بين مطلب التأصيل والمعاصرة .
منذ أوائل التسعينات بدأت عملية " استئصال " الخصم التاريخي عبر آليات " الاستقطاب " المعهودة و قد بدا من الواضح تماما أن استمرار المشروع الوطني بملامحه البورقيبية لم يعد ممكنا إلا بتحول دولة الحداثة المزعومة إلى نظام بوليسي بلغ منتهياته الطبيعية بتحوله إلى "طغمة مافيوزية " قتلت الحداثة نفسها وأكلت أنصارها العضويين و الموضوعيين ممن أغراهم الاصطفاف الظاهر والخفي وراء " تحديث " يحمل في أحشائه بذور فنائه منذ ولادته مفصولا عن تراب الأرض ورائحتها.
إن النخبة " المسماة حداثية " داخل الحكم و خارجه قد مكنت "طغمة بن علي " من الاستمرار في حكم البلاد بشرعية معطوبة أكثر من عشريتين اثنتين منذ أن قبلت بالمعالجة البوليسية للجدل الثقافي والسياسي مع من صنفوهم خصوما للحداثة و قد كان " تكتيك الاستقطاب " و "الإدماج الزبائني " للخصوم المقبولين أو السماح لهم بالعصيان " المسرحي " للنظام في الحدود المعقولة أسلوبا ناجحا في استمرار قبضة "بن علي "قديرة فعالة في " مراقبة المجتمع "و قتل السياسة .
منذ أوائل التسعينات سيستمد "نظام بلا شرعية " قوته بالأساس من " تواطؤ ضمني " لعدد كبير من النخبة التونسية على موقف واحد من الإسلاميين يؤسس لتقاسم ضمني في إدارة اللعبة " الديمقراطية " بين حاكم و معارضة مزعومة بموالاتها أو راديكالييها المنتشرين في المنظمات الاجتماعية و الحقوقية. ورغم تمايز العديد من المناضلين على هذا الاصطفاف منذ بدايته فان النخبة الصادقة في معارضة النظام التسلطي لن تحسم أمرها إلا في سنة 2005 و بالضبط على خلفية تحرك 18 أكتوبر الشهير عبر الخلاص من لعبة " الاستقطاب " و تكتيك الإدماج و الإقصاء الممنهجين و منذ ذلك الوقت ستتصدع " شرعية النظام " تماما و سيتضح الفرز بين قوى المعارضة المعنية بالقطع الجذري مع المنظومة من ناحية و القوى الموالية أو الراديكالية " بالنية دون العمل " من ناحية أخرى . لم يكن " تيار 18 أكتوبر " مجرد التقاء سياسي تكتيكي بل كان في جوهره محاولة لصياغة ملامح " عقد وطني جديد " ذهب فيه العلمانيون الوطنيون إلى تخوم الهوية التي قبلوا باندماجها الفعلي مع الدولة و المجتمع و حسم فيه الإسلاميون أمرهم بالفصل بين الدين و السياسة و الاعتراف بقيم حقوق الإنسان الكونية . كان الأمر " قطيعة ابستيمولوجية " و " سياسية " مع " تابوهات " مشروع نظام سياسي و معارضة بقيا لما يقارب الخمسين سنة دون قدرة على هذه التسوية التاريخية بين الحداثة و الهوية وان ادعاها البعض نظريا .
لم يكن هذا الفرز كافيا لتتمكن " المعارضة الحقيقية " من اكتساب القوة الحقيقية لإسقاط النظام . فالقدرات البوليسية القمعية التي أضافها بن علي إلى رصيد "دولة الاستقلال " و نجاحاته " الخارقة " في إفساد النخبة و توريط مؤسسات الدولة ونشر ثقافة الخوف و اللامبالاة إضافة إلى طغيان الأخطاء الشخصية للمعارضة و اعتمادها لأساليب قاصرة في " التبشير " و العمل ..كل هذه العوامل الذاتية و الموضوعية جعلت المعارضة الحقيقية لا تحصد على امتداد السنوات الأخيرة غير الخيبات و الاحباطات رغم نجاحها في هرسلة المصداقية الرمزية للاستبداد داخليا وخارجيا .
الأخطاء القاتلة " لعقلية بن علي البوليسية " ووصول " منوال التنمية المافيوزي العائلي " الذي اعتمده إلى مشارف الفشل الاجتماعي بالإضافة إلى خراب مؤسسات دولة "حديثة " رهنها أقارب " الديكتاتور " ستكون العوامل الحاسمة لدخول " الإرادة الشعبية " على الخط منذ 17 ديسمبر لتنجز ما عجزت عليه " النخبة الصادقة " ...إسقاط النظام .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.