ظلت النخبة العربية "بألوانها وأطيافها المتنوعة"ولفترة زمنية طويلة هي مصدر الإلهام الفكري في توجيه الرأي العام عندما كانت في مقدمة الصفوف لقيادة الجماهير العربية للتحرر من الاحتلال الأجنبي حتى خمسينيات القرن الماضي ، لكن بمرور الزمن وكثرة المعوقات الداخلية والمغريات الخارجية أعاد الفصيل العلماني - أحد فصائل النخبة العربية - حساباته وانحاز لمنظومة الحكم غير الديمقراطي يشرعن وجودها ويدعم قرارها لدرجة غير مسبوقة حين صار المدافع الأول عن كل مظاهر الاستبداد والفساد والقمع ، وبالتالي لفظه الشارع العربي بصفة عامة والمصري بصفة خاصة ، لكنه يحاول مرة أخرى إعادة إنتاج نفسه من جديد –استنساخ فكري – في ظل أجواء التغيير والثورات التي تجتاح المنطقة ، فهل ينجح أم يتكرر الفشل؟! مظاهر الاستنساخ ** الاختزال الثوري .... بمعنى محاولات اختصار الثورة زمنياً في مشهدها الأخير – الفترة من 25 يناير إلى 11 فبراير – واختزال الثورة بشرياً في شريحة الشباب خاصة الشباب العلماني دون غيره ، و مكانياً في ميدان التحرير وتنظيمياً في شخص أو رمز أو حزب أو حركة ** الابتزاز السياسي ...... سلوك اتضح في جملة من التصريحات والممارسات والشعارات منها "من ليس معي فهو ضدي" ... "الإخوان خانوا الثورة" ... "حديث الصفقات" ... "قمنا بالثورة وسرقها غيرنا" فضلاً عن المزايدة الدائمة بحقوق الشهداء التي صارت قميصاً ارتداه بعض بقايا النظام السابق والمتحولون الجدد ** السطو الإعلامي ..... تسخير الإعلام الخاص التابع لمجموعة رجال الأعمال أصحاب الملفات السوداء بقايا لجنة سياسات جمال مبارك لاستضافة التيار العلماني بشبابه وشيوخه مع وصلات متتالية من التشويه والتشكيك في كل شئ ** التمويل المالي .... حين فتحت الحسابات على مصرعيها داخليا من رجال المال والأعمال وشبكات الفساد والمصالح وخارجياً من الدول والمنظمات "راجع ملف التحقيقات في التمويل الخارجي ل 17 منظمة و43 متهماً مصرياً وأجنبياً" ** الفرص المتاحة تعاني الندرة لاعتبارات فكرية وثقافية بل وهوية حين أيقن عموم الشعب أن هذه النخبة القديمة وامتدادها الثوري لا تمثل إلا نفسها على مستوى الفكرة والسلوك بل أن سابقة أعمال الكبار الذين أخذوا كل الفرص والإمكانات لم تفرز إلا المزيد من فشل التجارب التي كلفت الشعوب الكثير من الوقت والجهد والثروات وأيضاً سقوط الشعارات التي رُفعت لعقود ثم انهارت على رءوس رافعيها ، لذا قد تكون الفرص الوحيدة هي تعكير الصفو وإرباك المشهد في محاولات دءوبة لإفشال التيار الإسلامي – خيار الشعب - ليكون الطرفان في الفشل سواء! وبالتالي انتزاع زمام المبادرة لقيادة المشهد رهاناً على نسيان الجماهير التاريخ ! ** أسباب الفشل ** أجواء التظاهر والاعتصام بسبب ودون سبب في أجواء معيشية مأزومة وأمنية غير مستقرة ما ترك انطباعاً لدى عموم المصريين أن هؤلاء أصبحوا إشكالاً وعبئاً وليس حلاً ** ممارسات العنف والصدام المتتالي بسبب اختراق بعض البلطجية وأطفال الشوارع ميادين التظاهر والاشتباك الخشن والقاتل مع قوات الأمن والجيش وما ترتب عليه من خسائر بشرية واقتصادية فادحة ** الاعتداءات والخسائر الكارثية التي تعرضت لها العديد من المؤسسات المصرية التاريخية والخدمية "حرق المجمع العلمي المصري وبعض الوزارات " ما شوه الصورة الناصعة لبعض الثوار الذين ليسوا طرفاً في هذا التخريب ** صدور بعض التصريحات والألفاظ والإشارات التي تصطدم مع هوى وهوية وأخلاقيات المصريين خاصة تجاه المجلس العسكري أو بعض قياداته ، فضلاً عن الإساءة لتيارات وكيانات وشخصيات وطنية وإسلامية ** مسألة التمويل والتدريب الخارجي وما ثار حولها من التباس اختلطت فيه الحقائق والمعلومات بالهواجس والشائعات ** تصريحات البعض باستمرار شرعية الشارع وجعلها فوق الشرعية الشعبية الممثلة في البرلمان المنتخب ما أشعر غالبية المصريين أننا بصدد تيار أكثر استبداداً من النظام المخلوع ** التصريحات المنسوبة لهذا التيار والهادفة لإشعال المشهد العام بداية بالعصيان المدني – الفاشل – وانتهاءً بإسقاط مؤسسات الدولة"راجع التسجيل الصوتي المنسوب لبعض قيادات وشباب هذا التيار" ** فقدان المصداقية بسبب الهجوم الدائم على التيار الإسلامي وقواعده الممتدة في جذور المجتمع المصري التي قدمت التضحيات والخدمات حين غابت الدولة والنخبة دلالات رغم المحاولات الدءوبة والمتكررة لعمليات الاستنساخ العلماني وفرض الجيل الثاني لهذا التيار إلا أن الشواهد تؤشر إلى : ** تأكيد شرعية البرلمان كممثل وحيد وحصري للشعب المصري .. عندما قال الشعب نعم للانتخابات البرلمانية ولا للعصيان المدني ** تآكل التأثير الفعلي للعديد من الجماعات الثورية العلمانية خاصة غير المنخرطة في العملية السياسية بعد الانكشاف السياسي والأخلاقي "شبهة التمويل " ** الاصطفاف الشعبي العام حول مصر الدولة وتيارها الأساسي "الإسلامي "، حماية ورعاية وتضحية وصبر ، حتى تكمل عجلة الثورة مشوارها المنشود بقوة الدفع الشعبي والمسئولية الوطنية خلاصة الطرح .... التيار العلماني جزء من المجتمع المصري له حجم ووزن معتبر ، من حقه الوجود والممارسة ، لكن قيادة المشهد ؟ لا ! فالشعب لن يلدغ من جحر مرتين. مدير مركز النهضة للتدريب والتنمية*