هي امرأة مثقفة من أصل عربي استطاعت الأقدار أن ترمي بها نحو مصير مجهول لا يعلم كنهه إلا الله. كانت هذه المسكينة تعيش في بحبوحة من العيش الكريم بين الأحباب والخلان. وسط عائلة محافظة لا تؤمن إلا بصون المرأة حين تصل إلى سن البلوغ في بيت زوجها. تعرّفت الفتاة على تونسي أظهر لها من الوهلة الأولى أنه شاب مستقيم يحبّ الحياة وتودّد لها إلى درجة أنها خدعت بكلامه المعسول. لم يخطر ببالها أن هذا الشاب قد يضمر لها السوء في يوم من الأيام. فقد اعتقدت أنه حمل وديع ويؤمن جانبه فتمسّكت به على الرغم من عدم موافقة والديها. تزوجته وكانت تأمل أن تكون سعيدة كبقية الفتيات ففتى أحلامها بين يديها وأمام ناظريها. في بادئ الأمر كانت معاملته نحوها مثالية. فقد كان يقرأ لعائلتها الموسعة ألف حساب. وبعودته إلى تونس حيث مسقط رأسه تنكّر لها وانقلب الحمل الوديع إلى وحش كاسر يضرّ ولا ينفع. هي لم تنجب منه الأبناء فمشيئة الله اقتضت ذلك. فقد قال الله تعالى : "لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور* أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير* (الشوري:50,49) " اتخذ هذا الرجل حيوانات أليفة كالقطط والكلاب يعاملها معاملة الأبناء ويلبّي حاجياتها من مأكل ومشرب ولم يبخل عنها في شيء. هذا شيء إيجابي، ولكن الغريب في الأمر أن هذا الإنفاق المبالغ فيه كان على حساب نفقة زوجته رفيقة دربه. إذ كان الحيوان يغدق عليه أكثر مما يغدق على امرأته التي تبقى في أغلب الأحيان خاوية البطن تستجدي عطف الجيران أعطوها أو منعوها. فقد ذكرت لنا هذه السيدة أن زوجها المحترم كان يأتيها مثمولا فيقوم بتقييد يديها بحبل متين كما تربط الأبقار وهذا ما شاهده صبيان في الحادية عشرة من عمرهما كانا يلعبان بالقرب من المنزل المذكور وقد هلعا من هول ما رأيا من تعدّ صارخ على نفس بشرية. وفي مناسبات عديدة قام هذا الرجل بكسر الأثاث والأواني داخل المنزل حتى أن فراش الزوجية لم يسلم هو أيضا من عدوانه. إذ أن هذا الوحش البشري لم يكتف بهذه الأفعال القبيحة التي يدينها المجتمع بشدّة ولا يريد أن تستفحل مهما كانت الأسباب. فشرب الخمر واستهلاك المخدرات ليست ذريعة وسببا في التفصّي عن العقاب وكذلك الذي يتعدى على شخص ما بداعي أنه مريض بالأعصاب فمكانه الحقيقي هو المستشفى وليس بين الناس يفعل ما يشاء. كما أنه يطرد زوجته من محل الزوجية طرد الكلاب في الليل البهيم فتلتجئ إلى بيت أحد الأجوار للمبيت. هذا الصنيع الذي ينمّ عن وحشية وبربرية دائما ما يتكرر حين يحتسي كأسا من الخمرة أو شيئا آخر لا ندري ما هو؟ والمرأة المسكينة لا تسلم من الضرب المبرّح. عندما تراها يخطر ببالك أنها امرأة جاءت من أحد بلدان المجاعة فقد بدا على وجهها البؤس والخصاصة في حين أن زوجها يمتلك أراضي شاسعة بالمنطقة التي يقطن بها تقدر بملايين المليمات وله بيت كبير ويتمتع بجراية التقاعد. بلغت معاناة الزوجة حدا لا يطاق ولا يصبر عن هذه المحنة بشر طبيعي. فقد بلغ بطش هذا الجبار أن قطع عنها الكهرباء وقام بكسر باب غرفتها بمطرقة. وقام بنقب الجدران من الداخل والخارج حتى يدخل الهواء من كل أرجاء الغرفة. علما وأن له غرفة مخصصة بها كل المرافق من نور كهربائي وتلفاز وغيره من الأشياء. تصوروا أيها القراء الأكارم أن هذا البغيض قطع عنها الماء الصالح للشراب المتأتي من جميع الحنفيات ما عدا حنفية قذرة قد ربطت بأنبوب بلاستيكي مستعملا وقديما. فهي تذهب إلى جارتها حتى تقوم بغسل وجهها وأطرافها هناك. والشيء الذي يندى له الجبين أن لهذا الرجل عائلة موسعة من إخوة وأقارب جميعهم يعلم بأمر هذه المرأة المسكينة ولا يحرّكون ساكنا ولو لمواساتها. أعتقد أنهم يعملون بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم «أنصر أخاك ظالما أو مظلوما» وغفلوا عن فهمه. فالمراد من هذا الحديث أن نصرة الظالم أن يتم التصدي لغيّه. الزوجة المسكينة التجأت إلى القضاء ورفعت في شأنه قضية لكن المحكمة لم تنصفها وتماطلت في البت فيها. ولا أدري متى يرفع الظلم عن هذه المرأة والحال أن زوجها مريض بالأعصاب ويستطيع قتلها بين الفينة والأخرى. فتونس اليوم بلد يتطلع إلى الحرية والكرامة واحترام حقوق الإنسان وفي مرحلة مقبلة ولم لا حقوق الحيوان؟ فكيف تحصل مثل هذه الممارسات والله سبحانه وتعالى حرّم الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرّما وأمرنا بأن لا يظلم بعضنا بعضا. أين نحن من تعاليم ديننا الحنيف الذي يشجب مثل هذه التصرفات فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه {استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فاستوصوا بالنساء خيرا}. وعلى المحكمة أن تبت في مثل هذه القضايا ولا تتلكأ فعامل الوقت والزمن مهم جدا إذ أن هناك أنواعا من القضايا التي لا يمكن تأخيرها والإسراع بتنفيذها مثلما هو الشأن في قضيتنا هذه وفي عدّة قضايا تتعلق بالأسرة. فالزوج حين يطلق زوجته ثلاثا تصبح المرأة محرّمة عليه شرعا وبالتالي كيف يعاشرها وهو يعتبر في هذه الحالة أجنبيا عنها. والمعضلة أن المحكمة لم تبتّ في هذا الطلاق. فحين يقدم هذا الرجل على معاشرتها وهي في منظور المجتمع زوجته ولكن عند الله ارتكب محرّما. فهذه القضية لا بد أن تعالج على جناح السرعة إذ أن الزوجة تسكن داخل عرين أسد مفترس، لا منزل رجل قائم يعمل بأوامر الله سبحانه وتعالى فقد قال الله في كتابه العزيز : "وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً" (الروم: 21) فأين المودة وأين الرحمة في قضيتنا هذه؟ فيصل البوكاري تونس