تشهد الساحة الوطنيّة حراكا سياسيّا غير مسبوق وانقلابا فاضحا ضدّ الشرعيّة غير مرقوب يقودها بعض رموز العلمانيين الكبار وعدد لا يستهان به من غلاة اليسار. دون نسيان ممثلي العريضة المهرّجين والمشاغبين داخل المجلس والذين وقفوا في صفّ واحد مع من يشاطرونهم الرأي ووجهوا سهامهم معا نحو الحكومة الشرعيّة مستعملين أسلوب القذف والتجريح بلغ حدّ التطاول المقصود والذي تجاوز كلّ الحدود مدعين في كلّ مرّة أن هذه الحكومة لا تحمل في جعبتها أي برنامج اقتصادي واضح المعالم أو حلول لإخراج البلاد من أزمتها الخانقة والتي طال أمدها وزاد نكدها بغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار التي تلظّى بلهيبها كل الأجراء وشرب من كأسها جلّ المحتاجين والفقراء . تحامل وتطاول قوى المعارضة دون المساهمة الفعليّة قي طرح الحلول البديلة ألحق ضررا بمصداقيّة المجلس ومسّ من هيبة الدولة وسلطانها . أي أن هؤلاء اعتمدوا سياسة لي الأذرع بتشجيع من بعض الجمعيات والمنظمات واختاروا طريق المواجهة لتعكير الجو العام وبث حالة من عدم الاستقرار . يقومون بهذا العمل المشبوه معتمدين سياسة خالف تعرف , للظهور في مظهر المدافعين عن الشعب وذلك بإتباع أساليب المغالطات السخيفة والمراوغات الحقيرة مستعملين ألفاظا سوقيّة لا تليق بممثلي الشعب وهو أسلوب حقير لا يعتمده إلاّ الجهلة وأصحاب السوابق ورواد الحانات و السجون وقد أصيب معظم المتابعين للأحداث بإحباط واستياء كبيرين جرّاء تدنّي مستوى الحوار الذي شاهده المتابعون عبر البث التلفزي المباشر لجلسات المجلس الذي تحوّل إلى ساحة مواجهة " كرنافاليّة " . حيث علت أصوات شاذة من هنا وأخرى ناعقة من هناك من بعض ممثلي أحزاب الأقلية وخاصة العريضة الشعبيّة الذين يقومون بدور مشبوه لما عرفوا به من حنق ووقاحة وعدم احترام لآداب الحوار وصل بهم إلى حدّ التهجّم على رموز السلطة ممثلة في الرؤساء الثلاثة ورميهم باطلا بالتقصير واتهامهم بالتفريط والمتاجرة بحقوق ودماء الجرحى والشهداء مستعملين ألفاظا نابيّة وعبارات سوقيّة مما أثار غضب رئيس المجلس المعروف بدماثة أخلاقه ورحابة صدره والذي أمر "النائبين المشاكسين" بمغادرة قاعة الجلسات فورا حسب ما ينصّ عليه القانون المنظم لسير المناقشات رافقه انسحاب بعض المتعاطفين . تجاوزات أحزاب "الأقليّة" بلغ حدّا لا يطاق بتعمدهم تأليب العمال وحثهم على الانقلاب على الشرعيّة بتشجيعهم على الدخول في اضرابات مطلبيّة غير محدودة ومساندة الاعتصامات العشوائيّة التي تندلع هنا وهناك وتعمد شلّ الحركة التجاريّة بين المدن والقرى بقطع الطرقات واستعمال وسائل التهديد والترهيب في وجه مستعملي السيارات والشاحنات المحملة بالبضائع والمؤن وكذلك منع العمال الذين يريدون الالتحاق بمواطن عملهم وهي ظاهرة غريبة وخطيرة في آن واحد لما لها من انعكاسات سلبيّة على اقتصاد البلاد المتهاوي والتي تسيء إلى الثورة وتضرّ بسمعة تونس ومستقبلها ولا تشجع المستثمرين على القدوم وإقامة المشاريع التي من شانها التقليص في عدد العاطلين عن العمل وهو موقف تآمري يشكك في مصداقيّة ووطنيّة من يقفون وراء هذه السلسلة من الاضرابات وموجة الاحتجاجات التي لا نجني من وورائها سواء الخراب والدمار . بعد فشل كل محاولات الاطاحة بالحكومة , كان من المفروض قبيل الاحتفالات بعيد الشهداء أن تجتمع أحزاب المعارضة و"تكفّر" عن ذنوبها وتطلق مبادرة تتمثل في دعوة كل القوى الحيّة في المجتمع التونسي للقيام بعمل تطوّعي سيكتبه التاريخ لو حصل خلال يومي 9 و 10 أفريل بمناسبة ذكرى عيد الشهداء والدعوة لعقد "جلسة مصالحة " يحضرها إلى جانب ممثلي الشعب في المجلس كلّ الشخصيات الوطنيّة ورؤساء الجمعيات والمنظمات ويوضع جدول احتفالي يبدأ بتجمع شعبي في "ساحة الشهداء" يترحم فيها الحاضرون على أرواح من ماتوا لنعيش نحن معزّزين مكرمين ننعم بنسيم الحرّية , ثمّ تتفرق الجموع وتلتحق الأفراد بحظائرها وتنطلق حملة تنظيف قومي شاملة للأرصفة والطرقات والمناطق الخضراء والساحات العامة وأماكن مكبات الفضلات , وتقوم فرق مختصة بإزالة الأتربة والحجارة الملقاة على جوانب الطرقات حتى تستعيد مدننا جماليتها , ويساهم في هذا العمل التطوعي الجبار الرجال والنساء شيبا وشبابا والمقاولون والفلاحون المتطوعون بجرّاراتهم ورافعاتهم وشاحناتهم كلّ من موقعه فداء لتونس العزيزة علينا جميعا . لا أن تطلق رموز المعارضة ومهرّجي الجمعيات الحقوقيّة والمنظمات العماليّة تهديداتهم بالنزول يوم 9 أفريل إلى شارع بورقيبة للتظاهر رغم قرار الحضر الذي أصدره وزير الداخليّة والذي يمنع بموجبه حق التظاهر في هذا الشارع لعدّة أسباب وجيهة تتعلق بأمن العاصمة . وهذا ما حصل ويا للأسف وأدّى لحدوث صدامات مع رجال الأمن و وسقوط جرحى من كلا الطرفين , مما أثار استياء العامة والخاصة وجعل كبيرهم الذي علّمهم السّحر السيد "عياض بن عاشور" هذه المرّة يختار الوقوف إلى جانب "الحقّ"مصرحا بأنّ قرار وزير الداخليّة قانونيّ ويجب احترامه من الجميع ولا يجوز الخروج عنه , وخرقه يعرض صاحبه للمسائلة القضائيّة والعقاب . ومن لم يعجبه هذا القرار ويرى أنه جائر عليه اللجوء للمؤسسات الدستوريّة والمتمثلة في القضاء ممثلا في المحكمة الاداريّة التي إذا ما اصدرت حكما ببطلانه يصبح لا غيا ونهائيّا وأعرب عن أسفه لتصرفات الحقوقيين ورجال القانون لتجاوزهم الحدود ودعوتهم للمس من هيبة الدولة . وفي الختام ما يمكن استنتاجه هو أنّ "معارضتنا " غير ناضجة ولا راشدة تتصرف بغباء ولا تتقيد بضوابط أخلاقيّة ولا تحترم الأصول وغير واعية بخطورة تصرفاتها وتعمدها إلقاء التهم جزافا ضد من يخالفها الرأي ولا تقدّر الظروف الموضوعيّة والدقيقة التي تمرّ بها البلاد وهذا السلوك "غير الحضاري " لا يجنبها السخط والمسائلة الشعبيّة لكونها تتعامل مع استحقاقات الثورة بانتقائيّة مفرطة وبحسابات انتهازيّة ضيقة الشيء الذي ألحق ضررا كبيرا بالثورة والديمقراطيّة معا . الأستاذ : محمد علي القايدي باجة في 06 ماي 2012 تونس.