تلك هي الحياة آراء متباينة ومواقف متضاربة، إيديولوجيات مختلفة، والكل يتصارع ويناضل لأجل أن تطبّق هذه الأفكار والمبادئ على أرض الواقع. تونس اليوم، بدت للعيان مرتعا ومسرحا لأفكار دخيلة عنها بعد أن كان الآباء والأجداد لا يعتمدون إلا على فكر واحد مستلهم من الحضارة العربية والإسلامية. تسلّلت إلينا هذه الأفكار الغربية التي بان إفلاسها ولم تعد الشعوب العربية تتطلع إليها. أفكار ورؤى ظهرت إبّان سقوط الخلافة العثمانية التي كانت آنذاك تعمل على حماية المسلمين. لم تكن هنالك دول كما هو الشأن اليوم. فهذا التقزّم والإنقسام سببه هشاشة وضعف المسلمين من الناحية الروحية وتخاذلهم عن نصرة دينهم من جهة واكتساب العالم الغربي لناصية العلم والمعرفة والتكنولوجيا في المجال العسكري من جهة أخرى. عندما تراجعنا وتخاذلنا على نصرة الإسلام والذود عنه كما كان يفعل سلفنا من قبل، سلّط الله علينا الدول الغربية يغنمون من ثرواتنا ويشترطون شروطا ساهمت بشكل واضح فيما نحن فيه من الانحطاط الأخلاقي. فالدول الإمبريالية والاستعمارية كانت تسعى إلى استعمار شعوب العالم باسم نشر «الكتاب المقدّس» وهو الإنجيل. فإمبراطور أحد دول أمريكا اللاتينية سابقا حين أعطي إليه الإنجيل من قبل البرتغاليين ليتم نشره قسرا على شعبه، رفضه ورماه على الأرض، فشنّ عليه البرتغاليون حربا أسفرت على الزج بالإمبراطور في السجن. فالحرب في السابق كانت تشنّ على أساس عقائدي. كما أنهم غرسوا فينا أفكارا وسياسات تتضارب مع أفكارنا ومعتقداتنا العربية والإسلامية. العيب ليس في الإسلام فأفكاره واضحة ومبادئه سامية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولكن العيب في المسلمين المعاصرين الذين جرفهم تيار ما يعرف بالحداثة وتنكّروا لدين الأجداد وهم يحسبون أنهم يعلمون الكثير عن الدين ويزيدون فيه، وهم لا يعلمون القرآن إلا أماني وإن هم إلا يظنون أنهم يفقهون دين الإسلام وهم مخطئون. إذ أن هؤلاء ليس لهم حظ من كتاب الله إلا التلاوة فقط. حتى أن القرآن الكريم أصبح عرضة للتأويل وتغيير مراد الله في الأحكام الشرعية خصوصا لكل من هبّ ودبّ من باب الاجتهاد. أمتنا اليوم إن أرادت أن تجد لها مقعدا في مصاف الدول المتقدمة، عليها أولا دحض الأفكار الغربية التي تمسّ بديننا ولا أعني بذلك الحداثة والتطوّر في العلوم والتكنولوجيا فنحن في أمسّ الحاجة إليها والإنسان مدني بطبعه. بل ما أعنيه هنا هو المساس بالقيم والمبادئ السامية والأخلاق الحميدة والمقدسات وكذلك الشأن للأحكام الشرعية التي سنّها الله لنا لنعمل بها ونفعّلها على أرض الواقع حتى يعمّ الأمن والأمان بين الناس وتنعدم الفوضى ويسود السلام. فأيّنا لا يحبّ العدالة؟ فكل الناس مهما اختلفت مشاربهم وإيديولوجياتهم وأفكارهم يبتغونها ويريدونها أن تقام بين الناس. وهل هنالك أفضل من العدالة الإلهية؟ فيصل البوكاري تونس