يُشرف وزراء حكومة الثورة هذه الأيام, على حملة نظافة لشوارعنا وطرقاتنا من أكداس القمامة التي تراكمت حتى امام ابوابنا وانتشرت معها روائح العفن واكتسح الناموس بكل قرفه بيوتنا ليزعجنا الى حين يصلح الله حال بلدياتنا ويبعث الروح في وعي مواطنينا, ويبدو الأمر صعب للغاية او مستحيلا الى حد الأنتخابات القادمة. وحملة النظافة هذه عمل محمود في غالبه, ولكن بعد الثورة كان لا بد من حملات نظافة عديدة بكل المؤسسات العمومية بلا استثناء, على الأقل لأسترجاع ما نهب الفاسدون من ممتللكات الشعب ولا زالوا ينهبون. قد يبدو الأمر في غاية الصعوبة ولكن "تطهير" وتنظيف المؤسسات واجب قطعا لأنه سيعيد هيبة الدولة أولا, هذه الدولة التي لا يرى المواطن وجودها بوضوح خاصة في المناطق الداخلية من البلاد. ولعل الأمر أسهل ممّا يرى البعض, وسهولته تأتي من المعني الآتي, يروي العرب أن الوباء وهو في طريقه إلى بغداد لقي قافلة, فسأله شيخها : وفيم أنت مسرع إلى بغداد . قال الوباء : لأحصد ألف نفس من أهلها . وعند رجوعه من بغداد لقي القافلة مرة ثانية . فقال له الشيخ ساخطا :إنك خدعتني فقد حصدت خمسة آلاف بدلا من ألف . فقال الوباء : كلا لم أحصد سوى ألف نسمة والباقون قتلهم الخوف. ان البدئ في تنظيف المؤسسات, واسقاط رموزها التي عاثوا فيها فسادا ولا يزالون, واجب تقتضيه الثورة, واستحقاق يبحث عنه كل مواطن شريف. ومثلما قال الوباء للشيخ, حصد بعض الرؤوس يليه دائما موت فجائي لأضعاف مضاعفة من اللصوص والخونة. وقد لا يكفي ما قام به السيد وزير العدل, برغم ضربته الجريئة والرائعة والتي صفق لها الكثير, باستثناء المتهمين والمشبوهين, فبعد اقالته لمجموعة فاسدة من القضاة, اصبحت قضاة بعض المحاكم من اشرف الشرفاء بعد ان انت اخبار مغامراتهم مع الرشاوي تحكى في المقاهي وغيرها. واصبح لزاما على وزير العدل فتح ملفات المحاماة والعدول وكل من يتعلق بوزارته. كما على وزير الداخلية, مع كل الأجراءات التي قام بها للأصلاح بان يمدّ يده الى مناطق الشرطة في الأماكن الداخلية, فله الكثير من العمل والتنظيف, وكذلك في كل ما يتعلق بوزارته من مقار معتمديات وولايات وغيرها, وعليه ان يعلم بان حدود الدولة لا تنتهي في تونس العاصمة او المناطق الساحلية, فحجم الفساد الذي تعيشه المناطق الداخلية والذي يستوجب تدخل الدولة الفوري كبير وكبير جدا. ولايقتصر الأمر على وزراء العدل والداخلية, فكل الوزرات معنية بالتنظيف, الفلاحة والصناعة والسياحة و الصحة الخ. فقط ليس مطلوبا قطع الرؤوس وقتل النفوس, فقط مطلوب منكم ايها الوزراء التحرك داخل مؤسساتكم بالجهات, اقيلوا كبار الفاسدين, غيروا مناصبهم او انقلوهم الى اماكن اخرى, ليحس المواطن بان هناك شئ يتغير, مادامت التنمية لم تصل بعد, والتشغيل كما هو ولم يبتدأ بعد. وأول مراحل البدايات الصحيحة في التغيير هو خلق طعم جديد داخل المؤسسات وذلك بتنظيفها. 14/07/2012