فرص واعدة للمؤسسات التونسية في FITA2025: تونس تستقبل القمة الإفريقية يومي 6 و7 ماي 2025    عامر بحبة: أسبوع من التقلبات الجوية والأمطار الغزيرة في تونس    عاجل : دولة عربية تعلن عن حجب 80% من الحسابات الوهمية    مفتي السعودية يوجه رسالة هامة للحجاج قبل انطلاق الموسم بأيام    غزة: إستشهاد 15 فلسطينيا على الأقل في قصف صهيوني استهدف منزلا    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    البطولة الفرنسية : ليل يتعادل مع مرسيليا 1-1    كيف سيكون الطقس اليوم..؟    محرز الغنوشي: حرارة صيفية الظهر وأمطار منتظرة    انطلاق امتحانات ''البكالوريا التجريبية'' اليوم بمشاركة أكثر من 143 ألف تلميذ    بوفيشة: احتراق شاحنة يخلف وفاة السائق وإصابة مرافقه    من الثلاثاء إلى الخميس: انقطاع مياه الشرب في هذه المناطق بالضاحية الجنوبية للعاصمة    حصيلة المشاركة التونسية في البطولة العربية لألعاب القوى بالجزائر: 19 ميدالية....    ترتيب لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع..    لدى تلقيه مكالمة هاتفية من السوداني..سعيد يجدد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    ترامب يأمر بفرض رسوم بنسبة 100% على الأفلام غير الأمريكية    الرحيلي: الأمطار الأخيرة أنقذت السدود... لكن المشاكل الهيكلية مستمرة    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    باكستان تصعد حظرها التجاري ضد الهند    بيان للهيئة الوطنية للمحامين حول واقعة تعذيب تلميذ بسجن بنزرت    بوسالم.. فلاحون يطالبون بصيانة و فتح مركز تجميع الحبوب بمنطقة المرجى    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    وزارة العدل توضّح    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    اليوم آخر أجل لخلاص معلوم الجولان    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    بوشبكة.. حجز أجهزة إتصال متطورة لدى اجنبي اجتاز الحدود بطريقة غير قانونية    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    دخل فرعا بنكيا لتحويلها.. حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص    طقس الليلة.. أمطار رعدية بعدد من الجهات    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    ثنائية مبابي تقود ريال مدريد لمواصلة الضغط على برشلونة المتصدر بالفوز 3-2 على سيلتا فيغو    الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 2025": فرصة لدعم الشراكة والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والمستدامة    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحزابُنا! أيْنَهَا من فقرائنا؟! بقلم: جيلاني العبدلي
نشر في الفجر نيوز يوم 23 - 08 - 2012

عرف الإنسان مشكلة الفقر على مرّ العصور وفي مختلف الأمصار. وقد شكلت هذه المشكلة ولا زالت تشكل واحدا من أهم التحديات الواجبُ مواجهته والعملُ على رفعه والقضاء على آثاره السلبية اجتماعيا وأخلاقيا وصحيا وبيئيا، ذلك أن الفقر يلعب دورا مباشرا في تهديد الأمن الصحي والبيئي والغذائي، ويساهم في تدني الأخلاق وتفكيك الأسر والمجتمعات، وفي زعزعة الاستقرار السياسي والاجتماعي.
ونظرا لما يلقاه الفقراء من فاقة وحرمان وخصاصة وشظف عيش، فإن الذاكرة الانسانية قد احتفظت بهذه القسوة والمرارة والمعاناة واختزلتها في أمثال وأقوال تواترت على ألسنة معصومين وصالحين وفلاسفة وحكماء، فرسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام قد اعتبر "الفقر أشدُّ من القتل" لقدرته على تدمير الذات البشرية في أبعادها المادية والمعنوية والروحية.
وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي تعجّب "لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه" أقسم في الفقر بقوله: "والله، لو كان الفقر رجلا لقتلته" مخاطبا إبنه الحسن في مخاطر الفقر "يا بنيّ، استعذ بالله من الفقر فإنه منقصة للدِّين وداعية للمقت ومدهشة للعقل. يا بنيّ، مارستُ كل شيء فغلبته، ومارستُ الفقر فغلبني لأني إن أذعته فضحني، وإن كتمته، قتلني، فكاد الفقرُ أن يكون كفرا".
وقد عبّر عن هذه الشدة الحكيم لقمان حين كان يوصي إبنه "يا بنيّ، أكلتُ الحنظل وذقتُ الصبر فلم أر شيئا أمرّ من الفقر، فإذا افتقرتَ، فلا تحدّث به الناس كي لا يستنقصوك ولكن اسأل الله تعالى من فضله".
ف"نهار الفقير طويل" كما ورد في المثل الاسباني لأنه يؤرق المحرومين ويقضّ مضاجعهم والفقر في المثل التركي " قميص من نار" يلهب ظهور الفقراء ويشوي جلودهم بلهيبه.
هذه الأقوال والأمثال المختزلة لمحنة الفقراء التي لا يعرف تفاصيلها إلا من عايشها ولِطعم الفقر الذي لا يعرفه غير من تجرّع من علقمه تثبت ما مثّله الفقر عبر التاريخ من خطر على شرائح واسعة من شعوب العالم وتجعلُ منه قضيّة محورية تقتضي وضعَها في أولى الاهتمامات الجديرة بالتدخل المباشر والمعالجة السريعة.
الفقراء في البلاد التونسية
تشهد البلاد التونسية اتساعا باعثا على القلق لعدد الفقراء الذين يعيشون على هامش المجتمع معزولين في مواجهة عسر الحياة وشظف العيش، يسدّون الرمق، ويروون الضمأ بما تطاله أيديهم من غذاء شحيح قد يملأ بطونهم، ولكنه لا يغذي أبدانهم، تشغلهم على الدوام حاجاتهم الأساسية المتراكمة في المأكل والملبس والمسكن والعلاج والتعليم والنقل.
فالفقراء هم الفئة الأكثر عرضة لمختلف الأزمات الاجتماعية التي تمر بها البلاد وهم الأعجز عن تأمين أبسط مقومات العيش الكريم والأكثر استهدافا للآفات الاجتماعية كالتداين والتسول وتشغيل الأطفال، يغالبون بمفرهم أوضاعهم البائسة، ولا يجدون الوقت الكافي حتى لمواكبة ما يستجدّ حولهم من أحداث في المجتمع السياسي والمدني الذي كثيرا ما يغازلهم ويعاهدهم في المحطات الانتخابية وغالبا ما يدير لهم الظهر في ما دون ذلك من الأيام.
الفقراء في برامج الأحزاب التونسية
على الرغم من التضخم اللافت لأعداد الفقراء واتساع ظاهرة الفقر وبلوغها مستوى ينذر بمخاطر شتى تمس سلامة المجتمع وتهدد استقراره، فإن الأحزاب السياسية التونسية ظلت كما قبل ثورة 14 جانفي تطرح هذه القضية بشكل عرضي ومناسباتي مقتصرة على تنظيم الندوات الفكرية والسياسية استنادا إلى بعض النسب والإحصائيات والاستخلاصات حول الفقر، دون أن تجعل منه أولوية مطلقة في اهتماماتها ومعركة مصيرية في ممارساتها، ودون أن ترتقي إلى مستوى التحسيس والتعبئة والضغط في سياق التصدي لسياسات التفقير والعزل والتهميش، ودون أن تنخرط في حملات تضامنية ميدانية وأنشطة اجتماعية دعمية في سياق تخفيف محنة الفقراء التي تبلغ ذروتها في مناسبات الصيام والأعياد والأفراح والمآتم والعودات المدرسية.
إن الاستنفار الحزبي من أجل مكافحة ظاهرة الفقر التي يكتوي بنارها قطاع واسع من التونسيين يُعدُّ اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى واجبا وطنيا وأخلاقيا وإنسانيا ودينيا وضرورة ملحة بل شرطا أساسيا لتحقيق مطلب الانتقال الديمقراطي الذي ناضلت في سبيله أجيال متعاقبة من التونسيين، والذي قامت من أجله الثورة التونسية المجيدة، ذلك أنّ الديمقراطية المنشودة لا يمكن أن تستقيم في ظلّ مناخ اجتماعيّ يرزح غالبية مواطنيه تحت شبح الفقر، لأن الفقراء إذ يفتقدون الوقت اللازم للنشاط في الأحزاب السياسية والمشاركة في منظمات المجتمع المدني، فلأنهم قد تدحرجوا إلى هامش المجتمع يغالبون معاناتهم، ويكابدون من أجل إشباع ما استطاعوا من حاجاتهم الأساسية وهم يتحفزون على الدوام للانتفاض والتمرد على أوضاعهم وكسر جدران الصمت المضروب حولهم وإجهاض سياسات التهميش والتفقير المتبعة ضدهم.
من هنا يمكن القول أنّ على الأحزاب السياسية التونسية العاملة على إرساء الديمقراطية أن تُعيد ترتيب أولوياتها فتجعل من الفقر معركتها المصيرية الأولى، ومن الأمن الاقتصادي هدفَها الحيوي باعتباره أساسا للصوت الحر والمشاركة البناءة وضمانة أساسية للسلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي والبناء الحضاري.
أما الاكتفاء بتحميل السلطة الحاكمة مسؤولية تدني الحالة الاجتماعية والمعيشية للفقراء، والاستمرار في دراسة ظاهرة الفقر وإحصاء عدد الفقراء في القاعات المكيفة والمناسبات المعينة، وعدم إعطاء الفقر أولوية مطلقة بل عدم إعلانه حالة طوارئ وطنية، لن يساعدها على إرساء الأسس القويمة لحياة ديمقراطية كفيلة بتأمين حظوظ العيش الكريم لجميع التونسيين بكافة شرائحهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.