لقد لفت نظري وأنا أقرأ حوارالسيد عبد الستار موسى رئيس الرابطة التونسية لحقوق الانسان والعميد السابق لهيئة المحامين بجريدتكم "الحصاد الأسبوعي" ليوم الثلاثاء 28 أوت 2012 ما أورده من مغالطات كثيرة لا تليق بمكانة من يتصدى للدفاع عن حقوق الإنسان، ولعلّ من أبرز هذه المغالطات ما صرح به عن التعويضات التي سيتمّ إسنادها للمساجين السياسيين، والتي وصفها بالضخمة، وأنّها ستكلف الاقتصاد غاليا، في حين أنّه لم يقدّم أيّ رقم لمبالغ هذه التعويضات يدلل به على ما يقول، وفي حين أنّ مشروع تفعيل العفو العام للحكومة لم يقدّم إلى حدود هذه اللحظة الى المجلس التأسيسي، ولعلّ صاحبنا يريد استباق الأحداث لقطع الطريق على ضحايا العهد البائد للتمتع بحقهم في التعويض، وانبرى يكبّر من حجم هذا موضوع "موضوع التعويض" خدمة لأغراضه السياسية، وهو من التهويل الإعلامي المقصود في غير محلّه، لموضوع سابق لأوانه، يبغي السيد عبد الستار موسى من ورائه تأليب الرأي العام على الحكومة لا أكثر ولا أقلَّ، لذلك يعود صاحبنا للقول في حواره مع جريدة الحصاد الأسبوعي :"فالعديد ممن ضحّى داخل السجن أو خارجه وعانى من قمع واضطهاد النظام البائد إنّما كان يفعل ذلك حسب تصريحاته من أجل الوطن أو في سبيل الله " وهو نفس التبرير الذي قدّمه السيّد محمد الكيلاني في مقال له بجريدة الشّروق، ولا يبتعد عنه الرأي الذي صرّح به السيّد حمّة الهمّامي في العديد من المناسبات لوسائل إعلاميّة، وكأنّ الذي صرّح بأنّه ضحّى من أجل الوطن أو في سبيل الله، في منطق هؤلاء لا يحقّ له طلب التّعويض، وهو لعمري موقف سيّاسوي انتهازي لليسار عموما، يريد به هؤلاء أن يضحكوا على ذقون الجماهير، ويظهروا بمظهر المدافع عن الفقراء والمساكين، وكأنّ الذين تعرّضوا إلى الهرسلة واضطهاد العهد البائد من اليوسفيين والإسلاميين، هم يعيشون في بحبوحة من العيش، وفاتهم أنّ هؤلاء يعيشون الخصاصة والحرمان، وقد تعرّضوا لأبشع صُوَر التَّنكيل هم وأبناؤهم بل وأبناء أبنائهم، فقد حرموا من الانتدابات بالوظيفة العمومية، ومن أبسط حقوق المواطنة في كثير من الأحيان، ولعلَّ السيد عبد الستار بن موسى هو أدرى منّى بذلك في هذا الموضوع، وحين يصدر السيد عبد الستار بن موسى أحكاما اعتباطية لا تستند إلى معيار حقوقي ولا إلى دليل شرعي على كل من يطالب من هؤلاء المتضررين بحقه في التعويض، وينصّب نفسه قاضيا و"فقيها عادلا" فيقضي بعصيان الله لهؤلاء المتضررين من المطالبين بحقوقهم، ويخوّنهم فإنّما يصدر في كل ذلك عن حقد دفين للإسلاميين، خاصّة إذا علمنا أنّه لم تتمّ أية عدالة انتقالية في أي بلد عانى سياسيوه من ويلات القهر والظلم دون ردّ الاعتبار للمتضرّرين منهم والتعويض لهم عن ويلات سنين الجمر والاضطهاد، وهو سيد العارفين بذلك، ولعلمك يا سيد عبد الستار أنّ هؤلاء المتضررين الكثير منهم سلبت منهم أموالهم، وتعرّضت محالاّتهم التّجارية للغلق والاختلاس وأدخلوا السّجن ظلما وبهتانا، وقضوا به عشرات السّنين أخضعوا فيها لشتى أنواع التعذيب والتّنكيل، وخرجوا منه وهم يعانون من الكثير من الأمراض المزمنة، وقد صار أغلبهم في عداد الغير قادرين عن الشّغل والعمل، وحين يطالب هؤلاء بحقهم في التّعويض تتّهمهم أنت بعصيان الله، وخيانة الوطن، فالى أي حقوق إنسان تستند أنت ؟ وعن أي حقوق إنسان تتحدث ؟ فنكرانك لأهم حقّ لهؤلاء المتضرّرين وهو حقّ التعويض للذين ضحّوا بأوقاتهم وأمواالهم وأبدانهم من أجل هذا الوطن يجعلك في سلّة المهملات، ويجعلك خارج دائرة هذا الوطن، فقد تكلّم هؤلاء حين سكتَّ أنت وأمثالك عن ظلم بن علي، وقالوها "لا لبن علي جلاد الشّعب" مدويَّة في شوارع تونس، وكتبوها على الجدران، وعلى الطّرقات حين انخرط أنت واليسار الاستئصالي الذي معك، مع بن علي وزبانيته في محرقة الإسلاميين، وأنا أسألك يا سيد عبد الستار وأسأل أمثالك ممّن أعمى الحقد قلوبهم، وشلّ تفكيرهم، وأفسد عقولهم، هل يمكن أن نتحدّث عن المصالحة في هذا البلد دون الحديث عن التَّعويض لمتضرّري حقبة الاضطهاد ؟ وهل يمكن طيّ صفحة الماضي بعيدا عن الانتقام والتّشفي دون التّعويض للذين اضطهدوا في حكم المخلوع ؟ أم تريدونها فوضى عارمة تعطي المشروعيَّة للمضطهد أن ينتقم لنفسه بيده كما كانت تفعل الجاهليّة قبل بعثة الرسول الأكرم صلوات الله وسلامه عليه ؟ ثوبوا إلى رشدكم وانخرطوا في المسار الصحيح للثَّورة فمتضرري العهد البائد ليسوا سلعة لتتاجروا بها، فهؤلاء المتضررين لم يطلبوا في يوم من الأيام تعويضا يكلّف اقتصاد البلد غاليا، كما تزعم، فهم أكثر النّاس إشفاقا على مصلحة هذا البلد، واقتصاد هذا البلد، فحين يطالبون بالإسراع بتفعيل العفو العام انّما يطالبون بحقوقهم التي انتزعها منهم العهد البائد، والتعويض لهم هو حق مكتسب تقرّه كلّ الشرائع السماوية، وتعترف به كلّ القوانين الوضعية، وجمعيّات حقوق الإنسان، وجمعيات العدالة الانتقالية، وحين يطالبون بحقوقهم في التّعويض، فاستنادا إلى المعايير الدولية، ودون تفريط أوشطط، ومقدرين لمصلحة البلد ضمن فترة زمنية محددة، واعتمادا على آليات متعددة، لا ترهق اقتصاد البلد، ولا تخل بمشاريع التنمية كما فعلت من سبقتنا من الدول التي عرفت العدالة الانتقالية وكرّستها ونجحت في تضميد جراحها، وأعادت اللّحمة والوحدة لأوطانها، ولعلمك ياسيّد عبد الستار بن موسي أنَّ هؤلاء المتضررين هم أكثر النّاس وعيا بخطورة المرحلة، وما تتطلبه من رحابة صدر، و تسامح، وعفو عند المقدرة، فهل سمعت عن أحد من هؤلاء انتقم من جلاديه ؟ أو اقتص لنفسه منهم ؟ فقد سلّموا الأمر لحكومة انتخبها شعبهم، وهم يطالبونها دون هوادة للمضيّ قدما في انجاز العدالة الانتقالية، وانجاز المصالحة الوطنية وفقا للمعايير الدولية، وطي صفحة الماضي حتى تعود البسمة إلى كل متضرّر، وتلتئم كل الجراح، ونبني جميعا تونس الوحدة، وتونس الحرية، وتونس الكرامة، وتونس الديمقراطية وحقوق الإنسان.