استوقفني ما جدّ يوم 14 من الشهر الجاري بمسجد بلال بقصور الساف من ولاية المهدية من تمزيق مصاحفه وكتابة كلمات بذيئة على محرابه, هي حادثة لم نعتد عليها في تونس ما قبل الثورة إلا في حادثتين معزولتين في سجون المخلوع سنوات 2006 و 2008 حيث تمّ دوس المصحف وإلقاءه في المزابل. وماعدا هذا فقد كانت "الفتنة دنماركية" بامتياز. عدت لأنبش الأحداث من هنا وهناك وأرتّب الاعتداء على المقدّسات زمنيّا, فاتضحت ملامح عميقة ذات دلالات واقعية تشير موضوعيا إلى تورّط رئيس وزراء تونس الأسبق باجي قائد السبسي ومعه الموساد. لقد تركّزت الاعتداءات خاصة في الشطر الثاني من سنة 2011 والنصف الأول من سنة 2012. الشطر الثاني من 2011 تزامن مع انتخابات المجلس التأسيسي, والشطر الأول من 2012 تزامن مع بداية عمل الحكومة في أوضاع غير مستقرّة تماما. ففي سنة 2011, تمّت مهاجمة واقتحام جامع القصبة بالعاصمة تونس في 15 جويلية, وهو حدث لم يعتد عليه التونسيين إلاّ في السنوات العجاف التي لحقت بإسلاميي تونس بداية التسعينات. وفي نفس شهر جويلية 2011 تمّ عرض فلم "لا ربي لاسيدي" للمخرجة نادية الفاني, ومن عنوان الفيلم بما فيه من دلالات عاميّة فهو موغل في رفض الإله, وقد أجبر ذلك الملايين من كامل تراب الجمهورية للتظاهر والاحتجاج والتنديد به وبمخرجته وبصاحب دار السينما التي أرادت عرضه. وفي أكتوبر 2011, ذهبت قناة نسمة إلى صبّ الزيت أكثر على الغليان في الشارع التونسي من شماله إلى جنوبه بعرض الفلم الإيراني "برسيبوليس" Persipolice المدبلج بلهجة تونسية ركيكة, وتمّ فيه التعدي والانتقاص من الذات الإلهية, دون أن يكون للفيلم علاقة لا بالإبداع ولا حتى بحسّ ثقافي متطوّر أو حداثي, وهو ما هدّد حياة صاحب القناة, الذي تساءل الجميع وقتها, ما هدفه من معاداة عقيدة 99% من شعب تونس؟ دون أن نسأل ما علاقة هذه القناة وصاحبها بأطراف خارجية !!. هذه أهم الإساءات للمقدسات خلال سنة 2011, وقد أعطى هذا بعدا شعبيا لرقعة الغضب والاحتجاج التي بدأت تتسع يوما بعد يوم, وظهرت جمعيات عديدة مندّدة كما ظهرت الأطراف "السلفية" الحقيقية و "المزوّرة" للدفاع عن دينهم. وكانت هذه مقدّمة لسنة 2012, التي جاءت حافلة بالاعتداءات المماثلة والتي تهدف أساسا للإساءة العميقة للمقدسات لإثارة أطراف معيّنة واستفزازهم لأيّة ردّة تصدر منهم تحت عنوان نصرة الدين. في شهر فيفري 2012 , قامت الشرطة بمهاجمة و اقتحام مسجد بلال بن رباح بمدينة جندوبة على اثر مواجهات مع "متطرفين", ولم يأمر وزير الداخلية بدخول المسجد, وهو ما طرح السؤال حول اختراقات داخل وزارة الداخلية, كما ذكّرنا بالصهاينة عندما يقتحمون المسجد الأقصى. و في 09 مارس 2012 , في مقطع فيديو تمّ ترويجه على صفحات اليوتيوب, قام أحد الطلبة من قيادات الإتّحاد العام لطلبة بتونس بالتطاول على القرآن قائلا "أيّها المارّون بين الكلمات العابرة, اجمعوا قرآنكم و انصرفوا ليس لنا إلاّ قرآن الشّعب". وفي هذا أيضا بعدا إيديولوجيا لرفض الآخر, أو لنقل لرفض الإسلام وهو ما أقرّته الجملة صراحة. وفي 12 مارس 2012 قام شاب تونسي بنشر رسوما مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلّم على صفحته على الفايسبوك, وقد تمّ إلقاء القبض عليه, وكان هذا أمرا مستغربا من شباب تونس, إذ إنهم حتى بدواع ثقافية وتربوية لا يجرؤون على الإساءة إلى المقدسات. وفي 15 مارس 2012، شهدت مدينة بن قردان حادثة اعتداء على خمسة مساجد بالمنطقة حيث قام مجهولون بإخراج عدد من المصاحف وتمزيقها ورميها أمام المساجد ورمي بعضها داخل دور المياه, وكتب على حائط احد الجوامع, جامع سيدي عبد السلام, شعار “لا نريد شريعة ولا صلاة", وهو ما أعطى أيضا بعدا إيديولوجيا للموضوع ورفضا للدين الإسلامي من طرف هؤلاء المجهولين. وفي 19 مارس 2012, قام أحد الضباط في أمن الدولة يعمل مدير تصوير للتلفزة الوطنية برسم نجمة "داوود الصهيونية" على مدخل جامع الفتح بتونس العاصمة, وهو مسجد يحسب على السلفية, وكانت الرسالة من ذلك صهيونية واضحة موجّهة مباشرة للمجموعات السلفيّة لدفعها للتحرّك, وطبعا التحرّك المراد هو العنف الذي طالما حاولت الحركات السلفية بتونس عدم الاقتراب منه مهما كانت الأسباب. وفي 30 مارس 2012, تمّ إيقاف شاحنة في الطريق السريعة السيارة الرابط بين صفاقس و تونس محمّلة بكمّ هائل من اللحى الاصطناعية, فكل ما في الأمر لحية مصطنعة وقميص, والمظهر سيوحي بالانتماء للسلفية. ولا يعني هذا إلاّ شيئا واحدا توجيه الأحداث في اتجاه العنف السلفي, العنف الذي حرص مشائخ السلفية على رفضه. ولكن من أرسل ومن اشترى ومن يخطّط لصناعة "سلفيّون"؟ وهو السؤال الذي لم تجب عليه وزارة الداخلية بل حاولت التكتّم عليه. ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ, ففي 13 افريل 2012 تمّ العثور على نجاسة بشرية في محراب جامع الفتح بالمهدية. وفي شهر ماي 2012, قامت مجموعة من عصابات تجارة الخمر والمخدرات والتي كانت على ارتباط بقيس بن علي بإطلاق النار على مسجد في سيدي بوزيد. وهذا الحدث كان له بعدين, الارتباط بالجريمة المنظمة و الارتباط بأعمدة النظام السابق. وفي 12 جوان 2012 قام مجموعة من "الفنانين" بعرض صور مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلّم في معرض العبدلية بالمرسى, وحسب قراءة أسماء من عرضوا هذه الصور فان علاقاتهم بالخارج أكثر من ارتباطاتهم بثقافتهم وحضارتهم. ثم خرج علينا جلال بريك, في جوان 2012 وهو يسبّ الجلالة ويشتم الرّسول الكريم وينتقص من أعراض أمهات المؤمنين ويسب الصحابة. وانتهى الأمر إلى حدّ يوم 14 ديسمبر الجاري, أي منذ يومين, إلى تمزيق المصاحف وكتابة كلمات بذيئة بمحراب مسجد بلال في قصور الساف بالمهدية. وبما أن الأهداف الكبرى لهذه الاعتداءات لم يتحقق, فالأكيد بأن الاعتداءات على المقدسات ستتواصل في بلدنا تونس. ومن جملة الأحداث التي عرضناه, فقد كانت هناك لمسات واضحة للموساد الإسرائيلي, ولأصحاب الجريمة المنظمة, ولأزلام النظام السابق المورطين ولليسار المتطرف. ولكن هناك حدث هام مرّ مرور الكرام, ولم يقف عنده لا محللين سياسيين, ولا سياسيين, ولا حكومة و لا وزير داخلية, ولا حتى أبناء شعبنا الأبي الثائر, وهذا الحدث هو زيارة رئيس الوزراء الأسبق, الباجي قائد السبسي, إلى الجزائر في 15 مارس 2011, وكما تلاحظون فان سفره كان قبل بداية الاعتداءات على المقدسات بأربع أو خمس أشهر. والأهم من هذا كله هو الاجتماع السرّي الذي قام به رئيس الوزراء السبسي, فقد اجتمع مع ممثلين من المخابرات الفرنسية والملحق العسكري للسفارة الفرنسية بالجزائر ومع ممثل مكتب الموساد الدائم في المخابرات الفرنسية وكان ذلك تحت رعاية رئيس المخابرات الجزائرية الجنرال توفيق وهو الخبير في ضرب الإسلاميين الجزائريين. فمالذي جمع باجي قائد السبسي بممثل مكتب الموساد؟ و مالخير الذي سيقدمونه لتونس؟ وإذا علمنا بان إسرائيل هي الدولة الخبيرة والأكثر اعتداء على مقدسات المسلمين, إذ أكدت «مؤسسة التضامن لحقوق الإنسان» أن الاحتلال اقترف أكثر من 96 اعتداء على المقدسات الإسلامية في فلسطين منذ بداية عام 2011 وهو ما استطاعت المؤسسة أن توثقه, فالأكيد إن أولئك الذين يفسدون في الأرض, هم أنفسهم من يدنّسون مقدساتنا في عقر دارنا, وكلمة السرّ في أيدي سي الباجي. د. محجوب احمد قاهري 16/12/2012