بسم الله الرحمن الرحيم رسالة مفتوحة الى شباب الثورة اتصل بي خلال المدة الاخيرة عدد كبير من شباب الثورة الذين عرفتهم على مدار السنتين الاخيرتين في المحطات الثورية العديدة التي شهدتها بلادنا، منهم من ينتمي لحركة النهضة ومنهم المستقلون ومنهم المنتمون لقوى سياسية اخرى، وكانوا كلهم يتنادون خوفا على المسار الثوري وضياع مطالب الثورة خاصة بعد المستجدات السياسية والاعلامية الاخيرة المتعلقة من جهة باستشراء العنف السياسي متمثلا في اغتيال المناضل شكري بلعيد ومن جهة ثانية بتشكيل الحكومة الجديدة وتحييد وزارات السيادة وامكانية عودة الثورة المضادة. وتفاعلا مع هذه الاتصالات واستجابة لمطالبهم في ضرورة تقديم توضيحات وتفسيرات لمستجدات المشهد السياسي الحالي، فانه يهمني التأكيد على المعاني التالية: 1- شكري الكبير لكل هؤلاء الشباب وغيرهم ممن ما زال يحمل في داخله حلم الثورة واهدافها ومطالبها، واحساسي بالمسؤولية الكبيرة في التمسك بهذه المطالب والدفاع عنها. 2- حماية اهداف الثورة ومطالبها منوطة بعهدة كل قوى الثورة وعلى رأسهم الشباب التونسي الذي يجب ان يبقى متيقظا وجاهزا للضغط في كل مرة لتثبيت هذه المطالب، وان الحالة الثورية لا تزال مستمرة وان الشرعية الثورية ستبقى مادامت مرحلة الانتقال الديمقراطي. 3- كل المبادرات السياسية في بناء التحالفات وفي تشكيل الحكومة تستمد شرعيتها من الوفاء لروح ثورة الحرية والكرامة، واي فعل سياسي لا يلتزم بذلك يفقد مشروعيته المطلقة ويتحول الى ارتداد عن مسار الثورة. لذلك مطلوب اليوم ان يكون الفرز بين القوى السياسية على هذا الاساس مهما اختلفت الرؤى والافكار، وان يلتزم الجميع بالامتناع عن توفير الغطاء السياسي لاعادة رسكلة عناصر النظام السابق. 4- على القوى السياسية الفاعلة في الساحة الاستماع لصوت الشارع وقواه الحية والتواضع في صياغة خطابها السياسي بما يجعلها خادمة للثورة ولاهدافها وللشعب التونسي بعيدا عن الحسابات الحزبية الضيقة التي باتت تفوح من افواه سياسييها. زاد الطين بلة سياسة تيئيس الشعب التونسي من امكانية نجاح المسار الثوري وبلقنة الحياة السياسية. لعل اخطر مؤشر على ذلك انفضاض فئات واسعة من الشعب التونسي من حول الاحزاب السياسية وبروز مؤشرات لامكانية اعادة صياغة مفرداته بعيدا عن التركيبة الحزبية الحالية. 5- ان الروح التوافقية التي تسعى بعض القوى السياسية لترسيخها ضمانة ضرورية للنجاح في هذه المرحلة، لكن ان يتحول السعي للتوافق الى ابتزاز مفضوح من جهة وتآكل للرؤية السياسية الملتزمة بمطالب الثورة من جهة ثانية، فان هذا الوضع يفرز توافقات مغشوشة ويرسي اعراف سياسية منبوذة. 6- كثيرا ما تغرق الاحزاب والنخب السياسية في تسويات بينية متغافلة عن المرجعية الشعبية الحقيقية وارادتها وخياراتها الثقافية والمجتمعية في تأسيس لنوع من الدكتاتورية الجديدة متمثلة في استبداد الاحزاب والنخب. وعلى الرغم من ان الحياة الحزبية شرطا ضروريا لنجاح الديمقراطية الا ان بقاء هذه الاحزاب معزولة في برامجها عن هموم مجتمعاتها وفاقدة في خطابها للمصداقية الجماهيرية وذات قدرة تأطيرية ضعيفة يهدد في العمق الانتقال الى الديمقراطية. 7- الحاجة لتثبيت مطالب الثورة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والوقوف عند مفاصلها الرئيسية وتحدياتها الاساسية متمثلة في تشغيل اصحاب الشهائد العليا العاطلين عن العمل وارساء التوازن التنموي بين الجهات ومقاومة الفساد وتطهير الدولة ووضع اليات الحكم الرشيد والمساواة امام القانون وحفظ حقوق كل المواطنين وتعزيز الشعور الوطني بالانتماء لتونس تاريخا وثقافة ومجتمعا. 8- ان يحافظ شباب الثورة على روحه المعنوية العالية، فالثورة تخلص من الخوف والاحباط ولا عودة بعد سقوط منظومتي الفساد والاستبداد الى الوقوع تحت تاثير نفس المحبطات التي هيمن بها النظام السابق على رقاب التونسين. الثورة معنويات قبل ان تكون وسائل واجراءات، واحياء المعنويات يكون من خلال التمسك بالامل في نجاح الثورة.